للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والضَّرر: النُّقصان، بدنيًّا كان كالعمى والعَرَج، أو ماليًّا كعدم الأُهْبة، ولمَّا كان مساقُ الكلام للتحريض على الجهاد كان الاستثناءُ المذكور لبيان أنهم غيرُ مُرادِين بالتحريض، وغيرُ المكلَّفين بالخروج إليه، لا أنهم كالمجاهدين في الإثابة والتفضيل.

﴿وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ﴾ أي: لا مساواةَ بينهم وبينَ القاعدين عن الجهاد بلا عذرٍ، وفيه تذكيرُ ما بينهما من التفاوت؛ ليرغب القاعد في الجهاد رفعًا لرتبته، وأنفةً (١) عن انحطاط منزلته.

﴿فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً﴾ نصبٌ على المصدر، وتنكيرُها للتعظيم، والمعنى: على القاعدين أُولي الضرر، نصَّ على ذلك الإمامُ الواحدي في "الوسيط" ثم قال: وذلك أن المجاهدين مباشرون للطاعة فلهم فضيلةٌ على القاعدين من أهل العذر وإن كانوا على نية الجهاد وقَصْدِه (٢).

وتفصيله: أن المراد بقوله تعالى: ﴿لَا يَسْتَوِي﴾ إلى قوله: ﴿وَأَنْفُسِهِمْ﴾: أنَّ بين المجاهدين والقاعدين غير الأضرَّاء بونًا بعيدًا، وأنْ ليس بين المجاهدين والقاعدين الأضرَّاء هذا البونُ البعيد، ولكن بينهم تفاوتٌ أيضًا (٣)، وكان هذا المعنى محتاجًا إلى البيان فبيَّنه بقوله: ﴿فَضَّلَ اللَّهُ﴾ وبما عُطف عليه من قوله: ﴿وَفَضَّلَ﴾، فكلتا الجملتين


(١) في (م): "واتقاء"، والمثبت موافق لما في "تفسير البيضاوي" (٢/ ٩١)، وقريب منه عبارة "الكشاف" (١/ ٥٥٣): (ليأنف القاعد ويترفع بنفسه عن انحطاط منزلته، فيهتز للجهاد ويرغب فيه وفي ارتفاع طبقته).
(٢) انظر: "الوسيط" للواحدي (٢/ ١٠٤).
(٣) "وكذا قول صاحب "الكشاف": وأما المفضلون درجة فهم الذين فضلوا على القاعدين الأضراء، يدل على هذا. منه".