لا خفاء في أن الآية مشتملة على ذكر الفريقين، فالتفصيل مطابق للمفصَّل، وضمير المفعول في ﴿فَسَيَحْشُرُهُمْ﴾ عائد إلى الجمع، أي: يجمع الكل من المستنكفين ومقابِليهم إليه للمجازاة، فقوله: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ إلخ تفصيلٌ لِمَا ذكر وبيانٌ لمآل أحد الفريقين، وقولُه: ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنْكَفُوا﴾ إلخ بيانٌ لحال الفريق الآخر.
والتعبير عن الأول بـ ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ لتعميم الحكم المذكور بما عدا عيسى والملائكةَ المقربين من المؤمنين الذين عملوا الصالحات، والتنبيهِ على أن ترك الاستنكاف والاستكبار أثرُ الاعتقاد الصحيح والاعتبارِ بالعمل الصالح.
وأما ما قيل: الضمير المذكور للفريق الثاني، والمعنى: فسيحشرهم لمجازاتهم فإن إثابة مقابِليهم والإحسان إليهم تعذيبٌ لهم بالغم والحسرة = فلا يساعده دخول كلمة (أمَّا) على الفريقين.
﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا﴾ البرهان هو دينُ الحقِّ، أو رسولُ الله ﵊، والنورُ المبين هو القرآن المعجِز البيِّن بنفسه المُبيِّنُ للدِّين والمصدِّقُ للرسول ﵊، والمراد بهما القرآن باعتبار كونه حجةً على الناس مبيِّنًا للأحكام.