للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

لمَّا ذكر إهلاك المستهزئين المكذِّبين أمر بالسَّير في الأرض للاعتبار بحالهم من مساكنهم، فقال:

(١١) - ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾.

﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ﴾ إلى أن تُشرفوا على (١) ديار قوم نزل بهم العذاب، فاختبروا واعتبروا.

ولمَّا كان في هذا السَّير المأمور به من الامتداد جيء بكلمة التراخي في قوله:

﴿ثُمَّ انْظُرُوا﴾ فإن النَّظر وإن لم يكن متراخيًا عن السَّير باعتبار الانتهاء لكنه (٢) متراخٍ عنه باعتبار الابتداء، وأمَّا قوله تعالى: ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا﴾ [النمل: ٦٩] فلعل المراد من الأرض فيه ما هو المعهود (٣) من أرض قومٍ نزل العذاب بساحتهم، فجيء بحرف التعقيب تنبيهًا على أنَّ السَّير إنَّما أُمر به لأجل النَّظر فحقُّه أن لا يتأخَّر عنه.

وما قيل: معناه: إباحة السَّير في الأرض للتِّجارة وغيرها من المنافع، وإيجابِ النظر في آثار الهالكين، ونبَّه على ذلك ب ﴿ثُمَّ﴾ لتباعد ما بين الواجب والمباح = يأباه سلامة الذَّوق؛ لأنَّ إقحام أمرٍ أجنبيٍّ - وهو بيان إباحة السَّير للتِّجارة - بين الإخبار عن حال المستهزئين وما يناسبه ويتصل (٤) به من الأمر بالاعتبار بآثارهم، ممَّا يخلُّ بالبلاغة إخلالًا ظاهرًا.


(١) في (ح): "إلى"، وليست في (م) و (ك).
(٢) في (م) و (ك): "ولكنه".
(٣) في (م) و (ك): " المشهور".
(٤) في (ك): "وما يتصل".