للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

﴿وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾ جملة حاليَّة لتقرير ما فُهِمَ ممَّا سبَقَ مِن أن ما يُفعل بهم إنما يُفعل (١) جزاءً بما كسبوه، فيكون عدلاً مَحْضاً.

ولو قيل: (ليس بظالم) لكان أبلغَ (٢)، والعدولُ عنه إلى صيغة المبالغة للتَّنبيه على أن شأنه تعالى يقتضي أن يكون كلُّ وصفٍ يثبت له بالغاً إلى حدِّ الكمال.

ومَنْ لم يتنبَّه لهذه الدَّقيقة الأنيقة زعم أنه لأَجْل العبيد (٣)، ولم يدرِ أنَّ ما يُقالُ: إنَّ اللهَ تعالى ليس بظلَّام للعبيد، نفيٌ للمبالغة (٤)، ونفي مبالغة الظُّلم لا يستلزم نفي أصله، بل ربَّما يوجب إثباته بدليل الخطاب، وبرجوع النَّفي إلى القيد لا يندفع بما ذُكر؛ إذ المعنى حينئذ نفيُ ظلمه تعالى عن الكلِّ، ولا يلزمه نفيُه عن كلِّ واحد، فإنَّ رفعَ الإيجاب الكلِّيِّ لا ينافي الإيجاب الجزئيَّ.

وقيل: (أنَّ الله) تعالى عطفٌ على (ما قدَّمت)؛ أي: ذلك العذاب بسببين: بسبب ما كسبوا، وبسبب أنَّ الله ليس بظلَّام؛ لأن تعذيب الكفَّار من العَدْل.


(١) "إنما يفعل" ليس في (ف).
(٢) يعني: نفي نفس الظلم أبلغ من نفي كثرته، ونفي الكثرة لا ينفي أصله بل ربما يشعر بوجوده. وإنما قال المؤلف هذا ليتبعه ببيان العلة في العدول عنه إلى لفظ التنزيل، ولو قال: الكان أبلغ في الظاهر) لكان أولى؛ لئلا يوهم أن يكون لفظ أبلغ من لفظ القرآن.
(٣) في هامش (م): "قاضي". والمراد به البيضاوي، فقد قال في "تفسيره" (٣/ ٦٣) حيث قال: و (ظلام: التكثير لأجل العبيد). والمراد: أنه كثِّر توزيعا على الآحاد، كأنه قيل: ليس بظالم لفلان، ولا بظالم لفلان، وهكذا، فلما جمع هؤلاء عدل إلى ظلام لذلك. انظر: "روح المعاني" (١٠/ ١٥٣).
(٤) في (م): "إن الله تعالى ليس بظالم أصلاً"، والمثبت من (ك)، وعبارة: "ليس بظالم أصلا" موجودة فيها لكن مضروب عليها.