للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

(٥٣) - ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾.

﴿ذَلِكَ﴾ إشارةٌ إلى ما حلَّ بهم ﴿بِأَنَّ اللَّهَ﴾: بسببِ أنَّ اللهَ تعالى ﴿لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا﴾: مبدِّلاً ﴿نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ﴾ بالنقمة ﴿حَتَّى يُغَيِّرُوا﴾: يبدِّلوا ﴿مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾: ما بهم من الحالِ إلى حالٍ أسوأ منها، كما بدَّلَتْ قريشٌ حالَهم في صلة الرَّحم وعدَمِ التَّعرُّض للآيات والرُّسل وإن كانوا كفرةً؛ لأن الكفرَ لا يمنع النِّعمة الدُّنيوية؛ لقوله تعالى: ﴿وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا﴾ [البقرة: ١٢٦] بمعاداة (١) الرَّسول ومَن تابعه، وإيذائهم، والسَّعي في قتلهم، والاستهزاء بالآيات، إلى غير ذلك مما أحدثوه بعد البعث، فبدَّلَ اللهُ تعالى ما أنعمَ به عليهم من الإمهال وحُسن الحال في العاجل، وعاجلهم بالعذاب.

أي: سنَّةُ الله تعالى جارية بأنْ يغيِّر نعمته على من أنعم عليهم عند تغييرهم حالَهم، فالسبب مفهومُ ما ذُكِرَ لا مَنطوقُه.

وأصل ﴿يَكُ﴾: يكون، فلمَّا دخلها ﴿لَمْ﴾ جزَمتْها، فالْتَقى ساكنان، فحذف الواو، فبقي: لم يكن، ثمَّ لَمَّا كثر استعماله حذفوا النُّون تخفيفاً، فإذا تحركت أثبتوها، قالوا: لم يكنِ الرَّجل، كذا قال الجوهري (٢).

والذي ذكره ليس بحتْمٍ؛ فإنَّ النون قد تثبت عند السُّكون كما في قوله تعالى: ﴿وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً﴾ [الأنعام: ١٣٩]، وقوله: ﴿لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ﴾ [الحجر: ٣٣].

﴿وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ﴾ لأقوالهم ﴿عَلِيمٌ﴾ بأفعالهم وأحوالهم.

* * *


(١) قوله: "بمعاداة" متعلق بقوله: "بدلت"؛ أي: (كما بدلت قريش حالها في صلة الرحم … بمعاداة).
(٢) انظر: "الصحاح" (مادة: كون).