للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والمرادُ من لقاءِ اللّه تعالى: سوءُ الحساب عندَهُ تعالى، وما يترتَّبُ عليه من إصابةِ المكروهِ، وهذا صريحٌ في عدمِ تأثير التحذيرِ والترهيبِ فيهم.

﴿وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ من الآخرةِ؛ لغفلَتِهم عنها، ولا تمشيةَ لهذا التعليل في حق المنكرينَ لها؛ ضرورةَ أن الإنكارَ لأمرٍ لا يجامِعُ الغفلة عنهُ.

ووصفُهم هذا كنايةٌ عن أن الترغيبَ لا يجدِي نفعًا في حقِّهم.

ولما احتُملَ أن يُقالَ: لمَ لا يجوزُ أن يُزالَ غفلَتُهم بالتنبيهِ والاستدلالِ، دفعَهُ بقولِه:

﴿وَاطْمَأَنُّوا بِهَا﴾؛ أي: سكَنوا فيها سكونَ مَن لا يُزعَجُ عنها، فانظُر إلى حسن انتظامِ هذا المقالِ، فمَن قالَ في تفسيرِ الوصفِ الأولِ: لا يتوقَّعونَه لإنكارِهم البعثَ وذهولِهم بالمحسوساتِ عما وراءَها. فكما أخطأ في التعليلِ لم يصِب في المعلَّل؛ لأنَّه أخلَّ بشقِّ الترهيبِ.

ثم إن قولَه: وذهولِهم بالمحسوساتِ عما وراءها، إنما يناسِبُ تفسيرَ الرجاء بالأملِ على ما هو حقيقَتُه، وحملُ اللقاءِ على نيل الثوابِ على أن عبارةَ الذهولِ لاقتضائه سبق العلم (١) لا يُناسِبُ المقامَ.

﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ﴾ لا يتفكَّرون فيها لانهماكِهم فيما يضادُّها (٢).

والواو بين الموصولينِ للجمعِ بين الوصفَين المتغايرينِ، والتنبيهِ على أن الوعيدَ لهُ، أو الذاتَين وهما (٣) الفرقةُ الفارغةُ عن أحوال الآخرةِ وأهوالِها الراضيةُ بالحياة الدنيا، والتي ألهاهم حبُّ العاجلِ عن التأمُّلِ في الآجلِ والإعدادِ له.


(١) "سبق العلم" من (م).
(٢) في (ك): "يضارهم". والمثبت من باقي النسخ، وهو الموافق لما في "تفسير البيضاوي" (٣/ ١٠٦).
(٣) "هم" سقط من (ك).