للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

مُطلَقُ الإيمانِ، غايةُ الأمرِ أنه ذُكرَ لأصالَتِهِ وزيادةِ شرفِهِ، فلا يكونُ ذكرُه مستدركًا ولا دالًّا على استقلالِ الإيمانِ.

وبهذا التفصيل اندفَعَ ما قيلَ: ومفهومُ الترتيبِ وإن دلَّ على أن سبَبَ الهدايةِ هو الإيمانُ والعملُ الصالح، لكنْ دل منطوق قوله تعالى: ﴿بِإِيمَانِهِمْ﴾ على استقلال الإيمان بالسببية، وأن العمل الصالح كالتتمةِ والرديفِ (١).

قيلَ: ولا مخالِفَ لما ذُكرَ من أهل السنةِ والجماعةِ؛ لأن العصاةَ غيرُ مَهديين، وأما أنَّ كلَّ مَن لم يكن مهتديًا فهو خالدٌ في النار فهو ممنوعٌ، ودعوى ذلك غايةُ المكابرةِ (٢).

ولا وجهَ له؛ لأن الكلامَ في الهدايةِ بسبب الإيمانِ إلى سلوك السبيلِ المؤدِّي إلى الجنةِ، وعصاةُ المؤمنين مهديُّون (٣) بهذه الهدايةِ، ولا خلافَ في أنَّ مَن لا يكونُ مهتديًا بهذه الهدايةِ لا يدخُلُ الجنةَ.

فالصوابُ في الجوابِ عن تمسُّكِ المخالفِ بهذه الآية: أنها مُعارَضةٌ بمثل قوله تعالى: ﴿وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ﴾ [الحديد: ٢١] فإنَّ فيه دلالةً على أن الإيمان وحدَه كافٍ في استحقاقِ ما أُعِدَّ لهُ.

والأصلُ في النصوصِ التوقيفُ، وهو هاهنا بحملِ النعيمِ على ما هو اسمٌ خاصٌّ لإحدى الجنانِ السبعِ على ما مرَّ تفصيلُه في تفسيرِ سورةِ البقرةِ، والمرادُ من الجناتِ المضافةِ إليهِ: ما فيه من البساتينِ، ونظيرُه قولُه تعالى: ﴿فَلَهُمْ جَنَّاتُ


(١) القائل لهذا هو البيضاوي في "تفسيره" (٣/ ١٠٦).
(٢) القائل لهذا هو القزويني في "الكشف على الكشاف" كما في "روح المعاني" (١١/ ٤١).
(٣) في (ف): "مهتدين".