للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ﴾ لا يخافون ﴿لِقَاءَنَا﴾ يعني: المستهزئين من المشرِكينَ؛ ذكرَه ابن عباسٍ (١).

﴿ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا﴾: بكتابٍ آخرَ ليس فيه ما يَغيظُنا من ذمِّ آلهتِنا والوعيدِ على عبادَتِها نتَّبِعْكَ.

﴿أَوْ بَدِّلْهُ﴾: بأنْ تجعلَ مكانَ آيةٍ تفيد ذلك آيةً أُخرى، وإنما اقترَحوا ذلك مكرًا وطمَعًا في إجابته إليهِ، فيُلزِموه ويستهزئوا منهُ.

ولمَّا كانَ الإتيان بقرآنٍ غيرِ هذا ليس مقدورًا للإنسانِ، لم يَحتَجْ إلى نفيِه، ونَفَى ما هو مقدورٌ له وإن كان غيرَ جائزٍ في حقه (٢) ، فقيل لهُ: ﴿قُلْ مَا يَكُونُ لِي﴾: ما يصحُّ (٣) لي ﴿أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي﴾ مصدرٌ استُعمِلَ ظرفًا.

هذا بحسب جليل النظر، والذي هو بحسب دقيقِه: أن نفي الثاني نفيٌ للأولِ دلالةً، فلا اقتصارَ في النفي ولا اكتفاءَ ببعضِ الجوابِ، واللّهُ تعالى أعلَمُ بالصوابِ.

﴿إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ﴾ تعليلٌ لقوله: ﴿مَا يَكُونُ لِي﴾؛ لأنَّ المتَّبِعَ لغيره في أمرٍ سيَّما الوحي لا يستبِقُ بالتصرفِ فيه بوجهٍ، وجوابٌ للنقصِ بنسخِه بقرآنٍ آخرَ، ورَدٌّ لِمَا عرَّضوا به في هذا السؤالِ من أنَّ القرآنَ كلامُه ومفتراهُ، ولذلكَ قيَّدَ التبديلَ في الجوابِ بقوله: ﴿مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي﴾ وسماهُ عصيانًا بقولِه:


(١) ذكره ابن الجوزي من طريق أبي صالح عن ابن عباس، والواحدي عن الكلبي، فيرجح أن رواية ابن عباس من طريق الكلبي عن أبي صالح عنه. انظر: "أسباب النزول " (ص: ٢٦٤)، و"زاد المسير" (٢/ ٣٢٠).
(٢) في (ك) و (م): "نفسه".
(٣) في (ف): "صح".