للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

اختَصَّ بذاته تعالى بعدَ حذْفِ الهمزةِ وتعويضِ التعريفِ عنْها، ويدلُّ على هذا أيضاً كلمةُ التَّوحيدِ، مشتقٌّ (١) من (أَلَهَ) كعَبَدَ وزْناً ومعنًى وتصرُّفاً، أو من (أَلِهَ) بمعنى فزِع، أو من (أَلِهَ) بمعنى وَلِعَ، أو من (أَلِهَ) بمعنَى تحيَّر، أو من (أَلِهَ) بمعنى سَكَنَ، أو من (وَلِهَ) كعَلِهَ ودَلِهَ وزناً ومعنىً وتصرفاً؛ أي: تحيَّر ودُهِشَ، أو من (وَلِهَ) بمعنى طَرِبَ، أو من (لاهَ) بمعنى: ارتفع، أو بمعنى: احتجَبَ، أو بمعنى: استَتَرَ.

فمجموع الأقاويل: هو المعبودُ للخواصِّ والعوامِّ، المفزوعُ إليه عند الأمور العِظامِ، المرتفِعُ عن الأوهامِ، المُحتجِبُ عن الأَفهامِ، الظاهرُ بالأَعلامِ، الذي تَحيَّرَ في صفاته الأَحلامُ، وسَكنَتْ في عبادتِه الأَجسامُ، ووَلِعَتْ به نفوسُ الأنام، وطرِب إليه قلوبُ الكرامِ.

(الرحمن الرحيم): أصلُهما واحدٌ؛ لأنَّهما من الرَّحمة، والأولُ أبلغُ من الثاني لأنَّ (فعيلاً) لمن كثُرَ منه الفِعْل، وفَعْلان لمن كَثر منه وتكرَّر، وحقُّ الأبْلغِ التأخيرُ إلَّا أنَّه قُدِّم لأنَّه لاختصاصهِ به تعالى كالعَلَم.

ووصْفُهُ تعالى بالرَّحمة - ومعناها: العَطْفُ، ومنه: الرَّحِمُ - مِن قَبيْلِ إطلاقِ السَّببِ على المُسبَّب وهو الإنعامُ والإحسانُ، فإنَّ الملِك إذا عطَف على رعيَّته أنعم عليهم وأحسنَ في حقِّهم.

وما في معْنَى الرَّحمن من الزيادة كمًّا وكيفاً - حيثُ يقالُ تارةً: يا رحمنَ الدُّنيا ورحيمَ الآخرةِ (٢)، وأُخرى: يا رحمنَ الدُّنيا والآخرةِ ورحيمَ الدُّنيا (٣) -


(١) في "ح " و"ف" و"ك" و"م": (مشتقا)، والمثبت من "د".
(٢) هذا باعتبار الكم، فإن (يا رحمن الدنيا) يعمُّ المؤمن والكافر.
(٣) هذا باعتبار الكيف، فإن النعم الأخروية كلها جسام، وأما النعم الدنيوية فجليلة وحقيرة. انظر: "روح المعاني" (١/ ٢٢٨) ط: الرسالة، بتحقيقنا.