﴿مَاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ﴾ متعلق بـ ﴿أَرَأَيْتُمْ﴾ أي: أخبروني ماذا يستعجِلُون منهُ؟ والشرطيةُ اعتراضٌ، والأَولى أن يكونَ ﴿مَاذَا﴾ جوابَ الشرطِ كقولِكَ: إن أتيتُكَ ماذا تطعِمُني؟ والشرطيةُ متعلقة بـ ﴿أَرَأَيْتُمْ﴾، وفحواها: أن العذابَ كلَّهُ مكروهٌ مُوجِبٌ للنفارِ، يجبُ أن يُستعاذَ منه لا أن يُستعجلَ، فأيَّ شيءٍ تستعجلونَ منهُ؟ على أن الضميرَ في ﴿مِنْهُ﴾ للعذابِ، وقيلَ: للهِ تعالى.
ويجوزُ أن يكونَ معنى الاستفهامِ في ﴿مَاذَا﴾ هو التعجُّبُ من العذابِ مع الإنكارِ، أي: أيُّ شيءٍ هائلٍ شديدٍ يستعجلُون منهُ؟ و (مِن) في هذا الوجهِ يجوزُ أن يكونَ للبيانِ، وضِعَ المجرمون موضِعَ ضميرِ المخاطبِينَ على طريقة الالتفاتِ تقويةً لِمَا في الاستفهامِ من معنى الإنكارِ والتعجُّبِ، ودلالةً على موجبِ ترك الاستعجالِ الذي هو الإجرامِ، فإن المجرِمَ مَن حقُّهُ أن يخاف التعذيبَ، ويستعيذَ منهُ - وإن أبطأ - فضلًا عن أن يستعجِلَهُ.
ويجوزُ أن يكون: ﴿أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ﴾ جوابَ الشرطِ، ﴿مَاذَا يَسْتَعْجِلُ﴾ اعتراضًا، أي: أخبروني إن أتاكُم عذابُه آمنتُم به بعد وقوعِه حين لا ينفَعُكم الإيمانُ.
ودخولُ الهمزةِ على (ثم) لإنكارِ تأخير الإيمانِ إلى وقتٍ لا ينفعُ، وهو وقت العذابِ، وإدخالُها على المعطوفِ لأنَّه مَصبُّ (١) الإنكار والاستبعادِ.
وإنما جيءَ بحرف التراخي بدلَ الواو دلالةً على الاستبعادِ، ثم زِيدَ أداةُ الشرطِ دلالةً على استقلالِه بالاستبعادِ، وعلى أن الأولَ كالتمهيدِ لهُ، وجيءَ بـ ﴿إِذَا﴾ مركَّبًا