للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

و ﴿أَصْغَر﴾ مبني على الفتحِ اسمُها، و ﴿فِي كِتَابٍ﴾ خبرُها، و ﴿وَلَا أَكْبَر﴾ عطفٌ عليهِ بالنصبِ، و ﴿وَلَا﴾ مزيدةٌ للتأكيدِ، أو مفتوحٌ مثلُهُ.

وقرئا مرفوعين (١) على أن الأولَ مبتدأٌ خبرُهُ ﴿فِي كِتَابٍ﴾، والثاني عطفٌ عليهِ (٢). ومَن جعَلَ رفعَهما عطفًا على محلِّ ﴿مِنْ مِثْقَالِ﴾ وفتحَهما على لفظِ ﴿مِثْقَالِ﴾ لكونهما غيرَ منصرِفَين مفتوحَين في موضعِ الجرِّ، جعَلَ ﴿إِلَّا فِي كِتَابٍ﴾ استثناءً منقطعًا بمعنى: لكنْ في كتابٍ مبين.

والمرادُ من الكتابِ: اللوحُ المحفوظُ، فيصيرُ مؤكَدًا لقولِه: ﴿وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ﴾ كأنهُ قيلَ: كيفَ يعزُبُ وهو في كتابٍ مبينٍ؟

على أنَّ الاتصال لهُ أيضًا وجهٌ، لا سيَّما إذا فسِّرَ الكتابُ المبينُ بعلمِ الله تعالى كما مرَّ في سورة الأنعامِ، ويكونُ المعنى: لا يغيبُ عنه إلا في عِلمِه، ومعلومٌ أنَّ غيبةَ الشيءِ في العلمِ عينُ كشفِهِ فهو من باب ﴿إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ﴾ [النساء: ٢٢]، وإن فسِّرَ باللوحِ فلا بأسَ به أيضًا؛ لأنهُ محلُّ صورِ معلوماته تعالى.

وكانَ مقتضى البلاغةِ بحسب جليلِ النظرِ تقديمُ الأكبر على الأصغرِ ليكون الكلامُ على طريقة الترقِّي، وإنما عكَسَ الترتيب سوقًا له على مُقتضَى ما بحسبِ دقيق النظرِ؛ ليكونَ في كلِّ واحدٍ من جزئي الكلامِ نوعٌ من الاهتمامِ، وذلك أنه حينئذٍ يكون في الجزءِ الأول منهُ اهتمامُ التقديمِ، وفي الثاني اهتمامُ التصريحِ بعد العلم بالالتزام.


(١) قرأ بها حمزة. انظر: "التيسير" (ص: ١٢٣).
(٢) "بالنصب ولا مزيدة للتأكيد أو مفتوح مثله وقرئ مرفوعين على أن الأول مبتدأ خبره في كتاب والثاني عطف عليه" من (ك).