للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وهو في صدَدِ توجيهِ كونه صفةً لِمَا قَبْله، وقيل: هو بدلٌ مِن (الذين)، ولا يُعجبني ذلكَ؛ لأنَّ (غيراً) أصلُ وضْعِه للوَصْف، والبدلُ بالوصفِ ضعيفٌ.

والغضبُ: تغيُّرٌ يحصلُ عندَ غليانِ دمِ القلبِ لإرادة الانتِقام، والقانونُ في أمثال هذا: أنَّ جميعَ الأعراض النَّفسانيَّةِ - مثل: الرَّحمةِ والفرَحِ والسُّرورِ والغضب والحياءِ والتَّكبُّر والاستِهزاء - لها أوائلُ ولها نهاياتٌ، ويتبيَّنُ ذلكَ في الغضب؛ فإنَّ له غليانَ الدَّمِ، وغايتُهُ إرادةُ إيصالِ الضَّررِ إلى المغضوب عليهِ، فلفظ (الغضب) في حقِّ الله تعالى لا يُحملُ على أوَّله الذي هو مِن خواصِّ الجسمِ، بل يُحمل على غايته، وهذه قاعدةٌ شريفةٌ.

بقي هاهنا نكتةٌ لطيفة، وهي: أنَّه صرَّحَ بالخِطاب لمَّا ذَكَر النِّعمة، ثمَّ لوَّنه (١) حيث قال: ﴿غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ﴾، ولمْ يقلْ: غيرِ الذينَ غَضِبتَ عليهم، عَطفاً على الأوَّل، فجاءَ باللَّفظ مُنْحرِفاً بهِ عن ذِكْر الغاضبِ، فأَسنَد النِّعمةَ إليه لفْظاً، وزَوَى عنه لفظَ الغضبِ تحَسُّناً ولُطفاً.

قيل: يعني بالأوَّل: اليهودَ؛ لقوله تعالى في قِصَّتهم: ﴿فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ﴾ [البقرة: ٩٠]، وبالثاني: النَّصارى؛ لقوله تعالى في حقِّهم: ﴿قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا﴾ [المائدة: ٧٧]. وهذا على وَفْقِ ما رُوِيَ عنه : من أنَّ رَجلاً سأله وهو بوادي القُرى: مَن المغضوب عليهم؟ فقال: "اليهودُ"، ومَنْ الضَّالين؟ فقال: "النَّصارى" (٢).


(١) في "د": (ثم وإنه)، وفي "ف": (ثم لوى به)، وفي "ك": (بل لوح به).
(٢) رواه الإمام أحمد في "المسند" (٢٠٣٥١) من حديث رجل سمع النبي ، وإسناده صحيح، ولا تضر جهالة صحابيه.