للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقرئ: (ويُصِدُّون) من أصدَّه (١)، وهو منقول من صَدَّ صُدودًا: إذا تنكَّب (٢)، وليس بفصيح؛ كأَوْقفه؛ لأن في صدَّه ووَقَفه مندوحةً عن تكلُّف التَّعدية بالهمزة.

﴿وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا﴾ أصله: يبغون لها، فحذف الجارُّ، وأُوصل الفعل؛ أي: يطلبون لها زيغًا (٣) واعوجاجًا بأن يقولوا لمن يصدونه عنها: إنها سبيلٌ ناكبة عن الحقِّ غير مستقيمة.

والموصول بصلته يحتمِل النَّصب على الذَّمِّ والرَّفع عليه، ولا يحتمِل الجرَّ صفةً لـ (الكافرين)؛ لأنَّ فيه الفصلَ بين الصفة والموصوف بأجنبيٍّ منهما، وهو قوله: ﴿مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ﴾؛ لِمَا عرفْتَ أنَّ اتِّصاله بالويل، وعلى الرفع يجوز أن يكون مبتدأً خبره:

﴿أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ﴾ عن طريق الحقِّ؛ أي: ضلالٍ فيه بُعْدٌ؛ لأنَّ الضَّالَّ قد يضِلُّ عن الطَّريق مكانًا قريبًا، وقد يضِلُّ مكانًا بعيدًا.

والأفصحُ أنَّ وصفَ الضَّلال بالبُعْدِ من باب الإسناد المجازيِّ؛ لأنَّ البعد في الحقيقة للضَّالِّ المتباعد عن الطَّريق، فوُصف به فعله، كقولهم: جَدَّ جَدُّه؛ للمبالغة.

وتنكيره للتَّكثير، وفي جعله ظرفًا لهم دلالةٌ على تمكُّنهم فيه تمكُّنَ المظُّروف في الظَّرف، وتصويرٌ لاشتمال الضَّلال عليهم اشتمالَ المحيط على المُحَاط، فيكون كنايةً بالغة في إثبات الوصف المذكور لهم على الوجه الأبلغ.

* * *


(١) نسبت للحسن. انظر: "المختصر في شواذ القراءات" (ص: ٦٨).
(٢) في (م) و (ك): "إذا انتكب"، وفي (ف): "تكسب". والمثبت من "تفسير البيضاوي" (٣/ ١٩٢).
(٣) في (ك): "زيفا".