للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

﴿مِنْ سِحْرِهِمْ﴾: مِن أجلِ سحرِهم.

﴿أَنَّهَا تَسْعَى﴾ إنَّما قال: ﴿تَخَيَّلُ﴾ لأنَّها لم تكن تسعى حقيقة، وإنَّما تحركت (١) لِمَا قيل: إنَّهم لطَّخوا الحبال بالزَّيبق وجعلوه في داخل العصيِّ، فلمَّا حميَتِ بالشَّمس طلب الزَّيبق الصُّعود فتحرَّكَتِ العصيُّ والحبال، فظنَّ أنَّها تسعى (٢).

* * *

(٦٧) - ﴿فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى﴾.

﴿فَأَوْجَسَ﴾ الإيجاسُ: من الهاجس الذي يخطرُ بالبال.

﴿فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى﴾ فعرَض له خوفٌ عظيمٌ من مفاجأة ما فاجأ (٣) على مقتضى الجِبِلَّة البشريَّة، إلَّا أنَّه أضمره، أي: لم يُظْهِرْ أثره (٤)، لا من أن يخالج النَّاس شكٌّ فلا يتَّبعوه؛ لأن الخوف منه ليس ممَّا يحتاط في كتمانه، فلا يظهر وجه الإطناب بزيادة الإضمار.


(١) في (ف) و (ك): "تحرك".
(٢) كذا ذكر الزمخشري والبيضاوي وغيرهما هذا التأويل، ولعل الصواب أنه كان سحرًا حقيقة لا خداعًا بالزئبق؛ لقوله تعالى في موضع آخر: ﴿قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ﴾، كما أن موسى وهو النبي الفطن لا يتصور خداعه بالزئبق وأمثاله، وقد ذكر لي أحدهم أنه حضر مجلسًا فيه ساحر طلب إليه الحاضرون أن يطعمهم بطيخا، وكان ذلك في الشام في أيام الشتاء وليس في تلك الأيام بطيخة واحدة في البلد كله، فبدأ يتمتم ثم ناول كل واحد منهم قطعة من أجود أنواع البطيخ، أو هكذا خيِّل لهم، ثم أمرهم بأن يبدؤوا بالأكل، فإذا كل واحد منهم ممسك بحذائه وهو يحاول قضمه ظنا منه أنه بطيخ، فلا يستبعد أن يكون ما وقع من السحرة من هذا الباب، والله أعلم بالصواب.
(٣) "ما فاجأ" ليست في (ف) و (ك)، ولم ترد عند البيضاوي أيضًا، ولفظه: (من مفاجأته).
(٤) في (ف): "يظهره".