للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

﴿مُعْرِضُونَ﴾ عن أسباب التَّنبيه؛ كلَّما كُرِّرَ عليهم التَّنبيه (١)، وجُدِّدَ لهم التَّذكير، وقُرِعَتْ لهم العصا (٢)، وأُحْدِثَ لهم ذِكْرٌ من الآيات التي تُتلى وقتاً بعد وقتٍ = ما تنبَّهوا بواحدٍ من تلك الأذكار، وما استيقظوا مرَّة من تلك المِرَار، إلَّا استمعوه مستسخرين لاهين يلعبون، فقوله:

(٢) - ﴿مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ﴾.

﴿مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ﴾ تقرير لتماديهم في الإعراض والغفلة بأنَّ الله تعالى يجدِّد لهم الذِّكر ويكرِّر على أسماعهم الوعظ ليتَّعظوا، فما يزيدهم استماعُ ذلك إلَّا لعباً واستخساراً وتلهِّياً راسخاً في قلوبهم، وجدًّا وعزيمةً في اللَّهو؛ يعني أنَّهم وإنْ فطِنوا فهُم في قلَّة جدوى فطنتهم، وتمادي ذُهولهم وغفلتهم عن التَّأمُّل والتَّبصُّر، كأنَّ الذُّهولَ مركوزٌ في قلوبِهم، لا فطنةَ لهم أصلاً.

قوله: ﴿فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ﴾ خبران، أو الظَّرف حال من المستكِنِّ في ﴿مُعْرِضُونَ﴾.

﴿مِنْ رَبِّهِمْ﴾ صفة لـ ﴿ذِكْرٍ﴾، أو صلة لـ ﴿يَأْتِيهِمْ﴾.

﴿مُحْدَثٍ﴾ لم يُرَدْ به حدوثُ نفسه بمعنى مسبوقيَّته بالعدم وإنْ كان صحيحاً؛ لأنَّ الكلام اللَّفظي حادث عند الجمهور، ولا حدوثُ تنزيله كما زعمته الحنابلة المنكِرون حدوثه؛ لأنَّ كلًّا منهما لا يناسب المقام، ولا يلائم


(١) "كلما تكرر عليهم التَّنبيه" سقط من (ف)، وفي (م): "كرر" بدل: "تكرر".
(٢) (قرع العصا) أصله من قولهم: إن العصا فرعت لذي الحلم، يضرب لمن إذا نبَّه انتبه، وانظر قصة المثل في "مجمع الأمثال" للميداني (١/ ٣٨)، و"فتوح الغيب" للطيبي (٢/ ٢٩) و (١٠/ ٢٨٥).