للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والذي يظهر عند التأمُّل: هو أنه تمثيلٌ (١) من قَبيل المجاز التمثيلي الشائع في كلام الله تعالى، شبِّهت النار بمَن له تلك الحال، وذلك في غاية البلاغة، فمفرداتُ الكلام على حالها، وإنما قال: ﴿لَهَا﴾ دون: منها، أو: فيها؛ تنصيصًا على ما يتمُّ به التمثيل، وهو أن يكون التغيُّظ والزفير لها لا لِمَا فيها.

* * *

(١٣) - ﴿وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا﴾.

﴿وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا﴾ بيان تقدَّم فصار حالًا ﴿مَكَانًا﴾: في مكان ﴿ضَيِّقًا﴾ لزيادة العذاب، فإنَّ الكربَ مع الضيق، كما أنَّ الرَّوحَ مع السَّعَة، وعن ابن عباس : أنه يضيق عليهم كما يضيَّق الزُّجُّ في الرُّمْحِ (٢).

﴿مُقَرَّنِينَ﴾: قُرنت أيديهم إلى أعناقهم في الأغلال، أو يُقرَن مع كلِّ كافر شيطانُه في سلسلةٍ، وفي أرجلهم الأصفاد.

﴿دَعَوْا هُنَالِكَ﴾: ثَمَّ ﴿ثُبُورًا﴾: هلاكًا؛ أي: يتمنَّون الهلاكَ وينادونه، فيقولون: واثُبُوراهُ؛ أي: تعالَ يا ثبور فهذا حينُك، فيقال لهم:

(١٤) - ﴿لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا﴾.

﴿لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا﴾ إذ هم أحقَّاءُ بأن يقال لهم ذلك وإن لم يكن هناك قولٌ، أي: لا تقتصروا على حزنٍ واحد، بل احزنوا حزنًا كثيرًا، وكثرته إمَّا لدوام العذاب متجدِّدًا، وإمَّا لأنَّه أنواعٌ، وكلُّ نوعٍ منه يكون ثبورًا لشدَّته وفظاعته.


(١) "تمثيل" من (ي).
(٢) انظر: "الكشاف" (٣/ ٢٦٧)، و"المحرر الوجيز" (٤/ ٢٠٢).