للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ولَمَّا كانَ مظنَّة أنْ يُقال: إنَّ ذلك لتنفيذِ أمرِ اللهِ تعالى وتحصيلِ المرادات الإلهيَّة مِن الأوامر والنَّواهي تُدورِكَ (١) دفعُه بقوله:

(٤) - ﴿إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ﴾.

﴿إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ آيَةً﴾ قاهرةً قاسرةً لهم على الإيمان، أُشيرَ إلى ذلك بقولِه: ﴿عَلَيْهِمْ﴾؛ يعني: أنَّ إيمان تلك الطَّائفة ليس بمرادٍ لنا، إنَّما المرادُ مِن بعثِكَ تبليغُ أحكامِ التَّكليفِ على ما تقتضيه الحكمة، فليس أمرُنا عن إرادةٍ، ولا نهيُنا عن كراهةٍ.

﴿فَظَلَّتْ﴾ عطف على ﴿نُنَزِّلْ﴾، عطفَ (أكنْ) على (أصَّدَّق) (٢)؛ لأنَّه لو قيل: أنزلنا، بدله لصحَّ.

﴿أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ﴾ الخضوعُ أمارةُ الانقياد اللَّازم للإذعان، وهو المراد هاهنا (٣) بطريق الكناية، أصله: فظلُّوا لها خاضعين، فأقحِمَتِ الأعناق لبيان موضعِ الخضوع (٤)، وتُرِكَ الخبرُ على أصله، وفي الكناية المقصودة مِن عبارة الخضوع إشارةٌ إلى أنَّ قهر تلك الآية قهرُ حجَّةٍ وبرهانٍ، فلا يفوت الاختيار المعتَبر في صحَّة الإيمان.

* * *


(١) "تدورك" من (م) و (ي) و (ع).
(٢) يعني ما في سورة المنافقون: ﴿فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ﴾.
(٣) في (ع) و (ي): "هنا".
(٤) في هامش (ع) و (م): "قال المرزوقي: الخشوع في الصوت والبصر كالخضوع في البدن، يقال: خاشع الطرف، خاضع العنق. منه".