للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وأمَّا الاعتراضُ عليهم بأنَّ فيها مَن لم يظلِم (١)، فلا يناسبُ حالَ المعترض؛ لأنَّ مَبناه الغفولُ عن الإشارة التي قدَّمنا بيانها.

﴿قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ﴾ منك ﴿بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ﴾ وليس هنا خطابٌ بمعنى حكمٍ شرعيٍّ، فلا وجهَ لِما قيل: فيه تأخيرُ البيانِ عن الخطابِ.

﴿إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ﴾: الباقين في العذاب، قال في سورة الحجر: ﴿إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (٥٨) إِلَّا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ (٥٩) إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا﴾ [الحجر: ٥٨ - ٦٠].

والتَّوفيقُ بينَ القولَيْن بأنْ يُقالَ: إنَّ الحكايةَ قد تكون على وجهِ التَّفصيلِ والنَّقلُ بالعبارة أو بمرادفها، وقد يكون على وجهِ الإجمالِ والنَّقلُ بحاصل المعنى، والمذكور ثَمَّةَ مِن قَبيلِ الثَّاني، والمذكور هاهنا مِن قَبيل الأوَّل.

ثمَّ أخبر عن مصير الملائكة إلى لوطٍ بعدَ مفارَقَتِهم إبراهيمَ بقوله:

(٣٣) - ﴿وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالُوا لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ﴾.

﴿وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ﴾: ساءَه مجيئُهم، و ﴿أَنْ﴾ صلةٌ أَكَّدَتْ وجودَ الفعلينَ مرتَّبًا أحدُهما على الآخَر، كأنَّهما وُجِدا في جزءٍ واحدٍ مِن الزَّمانِ، كأنَّه قيل: كما أحسَّ بمجيئهم فاجأته المساءة مِن غير رَيْثٍ خيفةً عليهم مِن قومِه أنْ يتناولُوهم بالفُجور.


(١) رد على البيضاوي القائل: ﴿قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا﴾ اعتراضٌ عليهم بأن فيها مَن لم يظلم. انظر: "تفسير البيضاوي" (٤/ ١٩٣).