للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

رُوي أن الوليد بن عقبةَ فاخَرَ عليًّا يوم بدر، فنزلت هذه الآية (١).

* * *

(٢٢) - ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ﴾.

﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا﴾ ولم يتفكَّر فيها، و ﴿ثُمَّ﴾ مستعار للاستبعاد؛ لأن الإعراض عن مثل هذه الآيات مع وضوحها وإنارةِ برهانها وإرشادها إلى الفوز بالسعادة العظمى بعد التذكير بها مستبعَدٌ عقلًا؛ كما تقول لصاحبك: وجدتَ مثلَ هذه الفرصةِ ثم لم تَنْتهِزها! ومنه ما في بيت الحماسة:

ولا يَكشفُ الغمَّاءَ إلَّا ابنُ حُرَّةٍ … يَرَى غَمَراتِ الموتِ ثم يَزورُها (٢)

﴿إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ﴾ استئناف مؤذِنٌ بأن الانتقام منهم هو أشدُّ الانتقام؛ لأنَّه لمَّا بيَّن أنه أظلمُ من كلِّ ظالم، ثم دلَّ على أنه يَنتقم من كلِّ مجرم والظالمُ


(١) انظر: "الكشاف" (٣/ ٥١٤). قال الحافظ في "الكاف الشاف" (ص: ١٣١) ونقله عنه الشهاب في "الحاشية" (٧/ ١٥٤) مع بعض زيادة: (قوله: إن ذلك شجر بينهما يوم بدر، غلط فاحش، فما كان الوليد حينئذ رجلا، بل طفلًا لا يتصور منه حضور بدر وصدور ما ذكره الزمخشري من مشاجرته لعلي . قلت: قد رويت القصة دون تعيين يوم بدر، رواها عن ابن عباس الإمام أحمد في "فضائل الصحابة" (١٠٤٣)، والخطيب في "تاريخ بغداد" (١٣/ ٣٢١). وكذا أوردها في تفاسيرهم السمرقندي والثعلبي والواحدي والبغوي وابن عطية وابن الجوزي، لكن نقل ابن عطية عن الزجاج والنحاس وغيرهما أنها نزلت في علي وعقبة بن أبي معيط، قال: وعلى هذا يلزم أن تكون الآية مكية؛ لأن عقبة لم يكن بالمدينة وإنما قتل في طريق مكة منصرف رسول الله من بدر. قلت: ولعله على هذا يكون لما ذكره الزمخشري وجه إلا أنه وهم فذكر الوليد بدل أبيه.
(٢) البيت لجعفر بن عُلْبةَ - بضم العين وسكون اللام بعدها باء - الحارثي. انظر: "شرح ديوان الحماسة" للمرزوقي (١/ ٤٩)، و"الحماسة البصرية" (١/ ٤٦٤)، و"الكشاف" (٣/ ٥١٥).