للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

﴿اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ﴾ (مع) ليس للقِرَآن بل لوجودها فحسب، كقوله: ﴿وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ﴾ [النمل: ٤٤] والتقييد المذكور للتَّخصيص؛ لِمَا روي عن أم هانئ أنَّها قالَتْ: خطبني رسولُ اللهِ فاعتذرْتُ إليه فعذرني، فأنزلَ اللهُ هذه الآيةَ، فلم أَحِلَّ له لأنَّي لم أهاجرْ معه (١).

﴿وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ﴾؛ إنِ اتَّفقَ (٢)، ولذلك نكَّرها؛ أي: رضيَتْ بالنِّكاح له بلا مهرٍ، فالهبةُ المذكورة مجازٌ عن تمليكِ المتعة بلا عوضٍ، وليس معناه: إنْ قالَتْ: وهبتُّ نَفسي للنَّبيِّ ، حتى ينتهِضَ حجَّةً في الخلافيَّة المشهورة بينَنا وبينَ الشَّافعي علينا أو لنا.

و ﴿وَامْرَأَةً﴾ عطفٌ على ﴿أَزْوَاجَكَ﴾ وما بعدَها، ولا يمنعه التقييد بـ ﴿إِنْ﴾ الاستقباليَّة؛ لأنَّ المراد بالإحلال: الإعلام بالحلِّ؛ أي: أعلمناك حلَّ امرأة مؤمنة، أو نصب بفعلٍ مضمَرٍ يدلُّ عليه ﴿أَحْلَلْنَا﴾؛ أي: وأحللنا لك امرأةَ.

وقرئ: (أنْ) بالفتح (٣) على التَّعليل بتقدير حذف أداته، أو على الظَّرف؛ أي: وقتَ أنْ وهبَتْ، أو مدَّةَ هبتها.

﴿إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا﴾ شرط للشَّرط الأوَّل في استيجاب الحِلِّ؛ فإنَّ هبتَها نفسَها منه لا يوجب له حِلَّها إلَّا بقَبولِه، والإرادةُ المذكورة عبارةٌ عنه، ولا


(١) رواه الترمذي (٣٢١٤)، وقال: حديث حسن، لا أعرفه إلا من هذا الوجه من حديث السدي.
قال ابن العربي في "أحكام القرآن" (٣/ ٥٨٨): وهو ضعيف جدًا ولم يأت هذا الحديث من طريق صحيح يحتج في مواضعه بها.
(٢) في (ف) و (ك): "أي اتفق"، وفي (ي): "أن أنفق".
(٣) نسبت للحسن وغيره. انظر: "المختصر في شواذ القراءات" (ص: ١٢٠).