للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والمراد باختصاص الأب بالسعي معه: بيانُ صغر سنِّه؛ أي: لم يَبْلُغ أن يسعى في الحوائج إلا مع أبيه لا مع غيره؛ لأن أباه أرفقُ الناس به وأعطفُهم عليه، لا يكلِّفه إلا ما سهل عليه، وغيرُه ربما عنَّف به في الاستسعاء فلا يحتمِله؛ لأنَّه لم تَستحكِم قوتُه، ولم يَصلُب عُودُه.

وفائدةُ ذلك البيانِ: إظهارُ أنه مع حداثة سنِّه وغضاضةِ غصنه (١)، بلغ مبلغًا من رصانة الحِلم (٢) وكبر النفس (٣) وفسحة الصدر ما سهَّل عليه احتمالَ تلك البليَّة العظيمة، ويسَّر له الإجابةَ بذلك الجواب الحكيم.

﴿قَالَ يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ﴾؛ أي: بأمرٍ من الله تعالى، ويدلُّ عليه قوله: ﴿افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ﴾ وذلك أن رؤيا الأنبياء وحيٌ كما في اليقظة، وإنما لم يقل: رأيت؛ لأنَّه رأى مرة بعد أخرى، والأمر به إنما كان في المنام دون اليقظة، لتكون مبادرتُه إلى الامتثال أدل على كمال الانقياد والإخلاص.

﴿فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى﴾ من الرأي، وإنما قال على وجه المشاوَرة - مع أنه حتمٌ من الله تعالى عليه - ليَعلم ما عنده فيما نزل به من بلاء الله تعالى، فيثبِّتَ قدمه ويصبِّره إن جَزع، ويأمَنَ عليه الزَّللَ إنْ صَبر، وليوطِّنَ نفسَه عليه، ويتلقى البلاء مستأنسًا به، ويكتسبَ المثوبةَ بالانقياد لأمر الله تعالى.

وقرئ: ﴿مَاذَا تَرَى﴾ من الإراءة (٤)؛ أي: ماذا تُبصِر من رأيك وتبديه.


(١) في (م): "عصبه"، وسقطت من (ع) و (ي).
(٢) في (م): "الحكم".
(٣) في (ف) و (ك): "السنن".
(٤) قراءة حمزة والكسائي. انظر: "التيسير" (ص: ١٨٦ - ١٨٧).