للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الكَلامِ، وقد أهلَكَ اللهُ تعالى أصحابَ الفيلِ بالطَّيرِ والحاصب الَّذي رمتهم به، ففيه إذكارُ قُريشٍ بهذِهِ القِصةِ.

﴿فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ﴾: باسِطاتٍ أجنِحتَهنَّ في الجوِّ عندَ الطَّيرانِ، فإنَّها إذا بَسطَتها صَففنَ قَوادِمها صفًّا (١)، والصفُّ: وَضعُ الأشياءِ المُتوالِيةِ على خطٍّ مُستقيمٍ.

﴿وَيَقْبِضْنَ﴾: ويَضمُمنَها إذا ضَربنَ بها جُنوبَهنَّ، ولمَّا كان الحثُّ على الاستدلالِ على قُدرةِ اللهِ تعالى بالطَّيرانِ - والأصلُ فيهِ بَسطُ الأجنِحةِ، وأما القَبضُ فطارِئٌ للاستِظهارِ على التَّحريكِ للبَسطِ - لم يَقلْ: وقابِضاتٍ، ليدُلَّ عَلى أنَّ القُدرةَ على ما هو خِلافُ الطَّبعِ إنَّما هي في البَسطِ، وأمَّا القبضُ فيَطرأ وقتًا بَعدَ وقتٍ لاحتِياجِ البَسطِ إليهِ في التَّحرِيكِ، فإنَّ الطيرانَ في الهواءِ كالسِّباحةِ في الماءِ، فكما أنَّ الأصلَ في السِّباحة مدُّ الأطرَافِ والقَبضُ إنَّما يَكونُ تاراتٍ (٢) للاستِعانةِ عَلى البَسطِ، فكَذلكَ في الطَّيرانِ.

﴿مَا يُمْسِكُهُنَّ﴾ في الجوِّ على خلافِ الطَّبعِ، ﴿إِلَّا الرَّحْمَنُ﴾ الشَّاملُ الرَّحمةِ للكُلِّ بقُدرتهِ بما دبَّرَ لهنَّ مِن القَوادِمِ والخَوافي (٣)، وخصَّهنَّ بهيئاتٍ وأشكالٍ يَتهيَّأُ لها بها الجَريُ في الجوّ.

و ﴿مَا يُمْسِكُهُنَّ﴾ مُستأنفٌ، وإنْ جُعلَ حالًا من الضَّمير في ﴿يَقْبِضْنَ﴾ يجوزُ.


(١) انظر: "الكشاف" (٤/ ٥٨١) وفيه: (لأنهن إذا بسطنها .. )، ومثله في "تفسير البيضاوي" (٥/ ٢٣٠).
(٢) في (ب): "طارات"، وفي (ف) و (م): "تارة"، وسقطت من (ع) و (ي)، والمثبت من (ك).
(٣) القوادم: أربع ريشات في مقدم الجناح، والخوافي: ما بعد المناكب، وفي جناح الطائر عشرون ريشة أولها القوادم ثم المناكب ثم الخوافي … انظر: "المحكم" لابن سيده (مادة القاف والدال والباء).