قال: وهذا الذي جوَّزوه ليس بجائز على ما تقرر في العطف على الموضع، من أنَّ شرطه أنْ يكون ثَمَّ طالبٌ ومحرِز للموضع لا يتغير، هذا إذا سلمنا أن ﴿لَعْنَةُ﴾ هنا من المصادر التي تعمل، وأنَّه ينحل لـ (أنْ) والفعل، والذي يظهر أن هذا المصدر لا ينحل لـ (أن) والفعل؛ لأنَّه لا يراد به العلاج، وكأن المعنى: أن عليهم اللعنة المستقرة من الله على الكفار، فأضيفت إلى الله على سبيل التخصيص لا على سبيل الحدوث، ونظير ذلك: ﴿أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾ ليس المعنى: ألا أن يلعن الله على الظالمين … ولئن سلمنا أنه يتقدَّر هذا المصدر - أعني: ﴿لَعْنَةُ اللَّهِ﴾ - بـ (أنْ) والفعل، فهو كما ذكرناه لا محرز للموضع؛ لأنَّه لا طالب له، ألا ترى أنك لو رفعت الفاعل بعد ذكر المصدر لم يجز حتى تنوِّن المصدر؟ فقد تغير المصدر بتنوينه، ولذلك حمل سيبويه قولهم: هذا ضاربُ زيدٍ غدًا وعمرًا، على إضمار فعل؛ أي: ويضرب عمرًا، ولم يُجز حمله على موضع زيد؛ لأنَّه لا محرز للموضع، ألا ترى أنك لو نصبت زيدًا لقلت: هذا ضارب زيدًا، وتنون؟ وهذا أيضًا على تسليم مجيء الفاعل مرفوعًا بعد المصدر المنون، فهي مسألة خلاف: البصريون يجيزون ذلك فيقولون: عجبت من ضرب زيدٌ عمرًا، والفراء يقول: لا يجوز ذلك، بل إذا نون المصدر لم يجيء بعده فاعل مرفوع. والصحيح مذهب الفراء، وليس للبصريين حجة على إثبات دعواهم من السماع، بل أثبتوا ذلك بالقياس على (أن) والفعل، فمنعُ هذا التوجيه الذي ذكروه ظاهر؛ لأنَّا نقول: لا نسلم أنه مصدر ينحل لـ (أنْ) والفعل، فيكون عاملًا، سلمنا، لكن لا نسلِّم أن للمجرور بعده موضعًا، سلمنا، لكن لا نسلِّم أنه يجوز العطف عليه.