للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

﴿فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي﴾؛ أي: أنا أُجيبُهم فيما دعَوني فعليهم أنْ يُجيبوني فيما دعوتُهم إليه بالائتمارِ فيما أُمروا به والانتهاءِ عما نُهوا عنه.

قال أبو عبيدةَ: الاستجابةُ والإجابةُ واحدٌ؛ كالإنابة والاستنابة، وأنشد لكعبِ بنِ سعدٍ الغَنَويِّ:

وداعٍ دَعَا يا مَن يُجيب إلى النَّدَى … فلم يَسْتَجِبهُ عند ذاكَ مجيبُ (١)

أي: لم يُجبه.

هذا ما بحسَبِ جَليلِ النظر، والذي بحسب دقيقِه وهي: أنه تعالى إنما قال: ﴿فَلْيَسْتَجِيبُوا﴾ ولم يقل: فلْيُجيبوا؛ لِلَطيفةٍ وهي: أنَّ حقيقة الاستجابة طلبُ الإجابة وإنْ كان قد يُستعمل في معنى الإجابة، فبيَّن (٢) أن العباد متى تحرَّوا إجابتَه بقَدْرِ وُسعِهم فإنه (٣) يرضَى به عنهم، هذا فيما يتولَّاه الجوارح من الأعمال، وأمَّا الذي يتعلَّق بالإذعان القلبي من الإيمان فلا بدَّ فيه من حقيقة الإجابة، ولهذا أفرده بالذكر بقوله:

﴿وَلْيُؤْمِنُوا بِي﴾ مع انتظامه فيما (٤) تقدَّم بحسب جَليل النظر.

﴿لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾ راجينَ الرُّشد وهو إجابةُ الخير، ونقيضُه: الغي.

وقرئ بفتح الشين وضمِّها (٥)؛ أمَّا الأولُ: فمِن الرَّشَد بالفتح، يقال: رَشِدَ يَرْشَدُ


(١) انظر: "مجاز القرآن" لأبي عبيدة (١/ ٦٧ و ١١٢ و ٢٤٥ و ٣٢٦) و (٢/ ١٠٧).
(٢) في (ح) و (ف) و (ك) و (م): "فتبين".
(٣) في (م) زيادة: "قد".
(٤) في (د) و (ك) و (م): (ما).
(٥) القراءة بالضم هي قراءة الجمهور، وبالفتح ذكرها الزمخشري في "الكشاف" (١/ ٢٢٩).