للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والرَّفثُ في الأصل هو قولُ الفُحش، ثم جُعل اسمًا للإفصاح بما يجب أن يُكنى عنه عند النساء من معاني الإفضاء إليهنَّ (١)، يرشدُك إلى هذا قولُ ابن عباس حين أنشد وهو مُحْرِم:

وهنَّ يمشينَ بنا هَميسا … إنْ يَصْدُقِ الطَّيرُ نَنِكْ لَمِيسَا

فقيل له: أَرَفَثْتَ؟ قال: إنَّما الرَّفَثُ ما كان عندَ النساء (٢).

وإنما عدِّي بـ (إلى) لِمَا في مفهومه من معنى الإفضاء (٣).

ثم إنه كنى بمجموع قوله: ﴿الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ﴾ عن الجماع، وقد (٤) كُني عن الجماع في جميع القرآن بلفظٍ مستحسَنٍ لا يدلُّ على معنى القبحِ مراعاةً للأدب - ولا أدبَ كأدبِ التنزيل - كقوله تعالى: ﴿وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ﴾ [النساء: ٢١]، ﴿فَلَمَّا تَغَشَّاهَا﴾ [الأعراف: ١٨٩]، ﴿بَاشِرُوهُنَّ﴾ [البقرة: ١٨٧] ﴿أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ﴾ [النساء: ٤٣]، ﴿دَخَلْتُمْ بِهِنَّ﴾ [النساء: ٢٣]، ﴿فَأْتُوا حَرْثَكُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٣]، ﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ﴾ [البقرة: ٢٣٧]، ﴿فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ﴾ [النساء: ٢٤]، ﴿وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ﴾ [البقرة: ٢٢٢]، إلا


(١) في هامش (ح) و (د) و (ف) و (م): "القوم زعموا أن الكناية عن الجماع بلفظ الرفث وحده، ويلزمهم اعتبار التضمين بلا حاجة إليه؛ لأن الجماع لا يوجد بدون الإفضاء، والتضمينُ إنما يصار إليه لفائدة زائدة، ولا يرد مثل هذا على ما ذكرناه؛ لأن المعتبر في مفهوم الرفث الإفضاء إلى مطلق النساء، والمفاد في المقام الإفضاء إلى ما أحل لهم من النساء، ولا بد منه لتصحيح الكناية عن الجماع الحلال. منه".
(٢) انظر: "الكشاف" (١/ ٢٣٠)، ورواه سعيد بن منصور في "سننه" (٣٤٥ - تفسير)، والطبري في "تفسيره" (٣/ ٤٥٨ - ٤٥٩)، والهميس: صوت نقل أخفاف الإبل. انظر: "اللسان" (مادة: همس).
(٣) في هامش (د): "فلا حاجة إلى التضمين. منه".
(٤) في النسخ عدا (م): "قد"، والمثبت من (م).