ومما يدل على قوة عقله وتحرره من التقليد الأعمى قوله عند تفسير قوله تعالى: ﴿حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ﴾ [البقرة: ١٨٧]: اختلف مشايخ أصحابنا في أنَّ العبرة لأوَّل طلوعه أم لاستطارَته وانتشارِه؛ قال شمسُ الأئمة الحَلْواني: الأولُ أحوطُ والثاني أوسعُ).
قال المؤلف:(ونحن نقول: إن التشبيه بالخيط للتنبيه على أن العبرة لأوَّلِ طلوعه فلا مساغ للاختلاف المذكور).
ومثله في الآية نفسها: ﴿ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ﴾ قال: (تمسَّكَ أصحابنا بهذا في جواز النيَّة بالنهار في صوم رمضان، ولا وجهَ له، بل هو ظاهر فيما ذكره المخالفُ، حيث قال الله تعالى: ﴿ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ﴾ ولم يقل: ثم صُوموا، ولولا ما فيه من محذورِ الدلالة على تراخي الشروعِ في الصوم عن طلوع الفجر لَمَا عُدِل عن الأَخْصَر الأظهَر).
لكن تبقى السِّمة العامة لمنهجه في الأحكام الفقهية الاختصارَ وعدمَ الخوض والتوسع في المسائل التي وقع فيها اختلاف بين العلماء وسُطرت في بيانها الصفحات في التفاسير الأخرى، فاكتفَى - مثلًا - في الخلاف الواقع في المؤلفة وإعطائهم من الصدقات بقوله؛ (واختُلف في انقطاع هذا الصِّنف بعزَّة الإسلام وظهوره).
وفي قوله تعالى: ﴿فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ﴾ [المائدة: ٤] قال: (إمساكُ الكلب