الإعراب إلا أعربه، ولا آيةً يتطلب بيان معناها الإعرابَ حتى يُعربها إعرابًا تامًّا ممهِّدًا بذلك لتفسيرها على الوجه الأكمل، مستفيدًا من ذاك الكم الهائل الذي خلَّفه العلماء الأوائل، وما أبدعوه من المسائل:
فمن ذلك قوله: ﴿وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ﴾ [هود: ٤٨](من) لابتداءِ الغاية؛ أي: أممٍ ناشئةٍ ممن معكَ في السفينةِ إلى آخر الدهرِ، ويجوزُ أن يكونَ للبيانِ، ويُرادَ الأممُ الذين كانوا معَهُ في السفينةِ؛ لأنهم كانوا جماعاتٍ، أو لأن الأممَ تتشعَّبُ منه ﴿وَأُمَمٌ﴾ مبتدأ ﴿سَنُمَتِّعُهُمْ﴾ صفة لهُ، والخبر المحذوفُ دلَّ عليهِ ﴿مِمَّنْ مَعَكَ﴾؛ أي: وممَّن معكَ أمم سنمتِّعُهم).
ومنه: ﴿قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا﴾ [الأنعام: ١٦١] بدلٌ من محل ﴿إِلَى صِرَاطٍ﴾؛ لأن معناه: هداني صراطًا؛ لقوله: ﴿وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا﴾ [الفتح: ٢٥]، أو مفعولُ فعلٍ مضمَر دلَّ عليه الملفوظ، أو حالٌ من ﴿صِرَاطًا﴾؛ لاختصاصه بالصِّفة، أو نصبٌ على المدح؛ أي: أعني - أو: أخصُّ - دينًا … ﴿مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ﴾ عطفُ بيان لـ ﴿دِينًا﴾، إنَّما ذَكَرَ ذلك حثًّا لهم على اتِّباعه؛ لأنَّه دينُ أبيهم ﴿حَنِيفًا﴾ حال من ﴿إِبْرَاهِيمَ﴾.
لكنه في إعرابه يُعنى بالاختصار وعدم التطويل مع عدم ترك شيء من الوجوه، ففي تفسير قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا (٣٦) الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾ [النساء: ٣٦ - ٣٧] قال في إعراب ﴿الَّذِينَ﴾: بدلٌ من قوله: ﴿مَنْ كَانَ﴾، أو صفةٌ لـ ﴿مَنْ﴾، قال: ﴿مُخْتَالًا﴾ حملًا على لفظ ﴿مَنْ﴾، ثم قال: ﴿الَّذِينَ﴾