فمن نظر إلى الأول قال إن ركن المضاربة الاجاب والقبول فقط. ومن نظر إلى الثاني عد أركانها على الوجه الذي ذكره الشافعية، وذلك النظر مطرود في كل العقود منه على ذكر. أما شروط صحة المضاربة فهي تتعلق بكل ركن من هذه الأركان، فأما العامل والمالك فتشترط فيهما معاً أن يكونا للتصرف كما هو الشأن في سائر العقود فلا يصح عقد المضاربة من أعمى، ولكن يوكل من يقبض عنه. ويشترط في العامل وحده أن يكون مستقلاً بالعمل منفرداً فلو اشترط أن يعمل معه غيره فسد العقد، ويستثنى من ذلك اشتراط أن يعمل معه غلام المالك فإنه يجوز ولكن بشروط ثلاثة: أحدهما: أن يكون الغلام معروفاً للعامل بالمشاهدة أو الوصف. ثانيهما: أن لا يشترط أن يكون بعض المال تحت يد الغلام. ثالثهما: أن لا يحجر به على العامل أن لا يتصرف العامل إلا إذا رجع رب المال أو لا يتصرف إلا تحت إشراف فلان لأن كل هذا يغل يد العمل فتقوم معذرته في الأعمال والتفريط، والمفروض أنه أمين فتقييده بعد ذلك ضار بالمال وموجب لفتح باب النزاع. وأما العمل فيشترط فيه شرط، الأول: أن يكون عملاً في تجارة من بيع وشراء فلا تصح المضاربة على عمل صناعي، كأن يضارب نساجاً على أن يشتري قطناً ثم ينسخه ويبيعه منسوجاً، او يضارب خبازاً على أن يشتري قمحاً ويطحنه ثم يخبزه ويبيعه قرضاً، وإنما لا تصح المضاربة في ذلك لأنه عمل محدود تصح إجارة العامل عليه فلا داعي حينئذ للمضاربة لأنها إنما أبيحت للضرورة حيث لا تمكن الإجارة وذلك لأن التجارة التي سيقوم بها العامل مجهولة وقد يكون رب المال عاجزاً عن القيام بها فأبيح له أن يفعل ذلك النوع من المعاملة بأن يشرك معه غيره في الربح المجهول في نظير ذلك العمل المجهول. فإذا أمكن ضبط عمل العامل فلا يصح أن يفعل ذلك بل عليه أن يستأجره بأجرة معينة بإزاء ذلك العمل المنضبط. فإذا تعاقد معه على أن يتجر فاشترى العامل من تلقاء نفسه قمحاً وطحنه وخبزه فإن ذلك لا يفسد العقد ولكن أجرته تكون على العامل ويكون ضامناً له إذا تلف لأن وظيفة العامل في المضاربة إنما هي التجارة ولوازمها فإن كان يتجر فيما يقاس كالثياب فإن كان يتجر فيما يقاس كالثياب فإن عليه أن يقوم بنشرها وطيّها وقياسها بالذراع ونحوه