للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مبحث اعتراض الملاحدة]

-وها هنا سؤال معروف، وهو أن قطع اليد فيه اتلاف لعضو من أعضاء الإنسان، وذلك لا يتناسب مع الجريمة، إذا كانت يسيرة، فإن اقل ما تقطع فيه اليد عشرة دراهم، فالعقوبة شديدة، وهذا الطلام منشؤه الغفلة عن معنى الجريمة، وعن الآثار الضارة المترتبة عليها،


عادة ودلالة، فإنها لما بذلت نفسها، وهي أنفس من المال، كانت بالمال أسمح، ولن بينهما سبباً يوجب التوارث من غير حرمان كالوالدين، وقد ورد في موطأ عن عمر بن الخطاب أنه أتي بغلام سرق مرآة لامرأة سيده، فقال: ليس عليه شيء خادمكم سرق متاعكم، فإذا لم يقطع خادم الزوج، فالزوج أولى بهذه الرخصة، ولأن شهادة احدهما لا تقبل على الآخر لاتصال المنافع، فكذلك لا يقطع أحدهما بمال الآخر، ولو سرق احد الزوجين من الآخر ثم طلقها قبل الدخول بها فبانت من غير عدة فلا قطع على واحد منهما ولو سرق من أجنبية ثم تزوجها لا قطع عليه سواء كان التزوج بعد أن قضي بالقطع أو لم يقض.
وورد عن أبي يوسف رحمه الله تعالى أنه قال: إذا كان التزوج بعد أن قضي عليه بالقطع يقطع ولو سرق من امرأته المبتوتة، أو المختلعة في العدة لا قطع، وكذلك إذا سرقت هي من الزوج في العدة. الشافعية في أرجح اقوالهم، والمالكية، والحنابلة في احدى رواياتهم قالوا: أنه يقطع من سرق من الزوجين من الآخر، من حرز خاص للمسروق منه. زاد مالك: ولا يقطع من سرق من بيت يسكنان فيه جميعاً، للإذن في الدخول.
الشافعية في القول الآخر، والحنابلة في الرواية الخرى قالوا: إنه لا يقطع احدهما بسرقة مال الآخر، لن كلا من الزوجين مع صاحبه متحد معه، ولوجود المودة والرحمة التي بينهما بالزواج. قال تعالى: {ومن آياته أن خلق لكم من انفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة} .
الشافعية في قولهم الثالث قالوا: إنه يقطع الزوج خاصة، لأن المرأة لها حق النفقة عليه وحق الكسوة، فلا تقطع للشبهة في استحقاقها بعض ما سرقته، ولو بحكم الشيوع في ماله، بخلاف العكس، فإن الزوج لا حق له في مال الزوجة. والمرجح من مذهب الشافعية: أنه يقطع أحد الزوجين بسرقة مال الآخر، إن كان محرزاً عنه، والله تعالى اعلم.
مطالبة المسروق منه بالقطع
الحنفية، والحنابلة، وأصحاب الشافعي قالوا: إن القطع يتوفق على مطالبة من سرق منه ذلك المال، لأن الغلب في حد السرقة حق المخلوق، لأن الخصومة شرط لظهور السرقة، والخصم هو المسروق منه.

<<  <  ج: ص:  >  >>