(١) الحنفية - قالوا: هذه الأمور تعتبر في اليمين على التفصيل الآتي: الأول العرف، وهو الأصل العام الذي تبنى عليه الأيمان عندهم فيقدم على جميع الأصول المذكورة، وتوضيح ذلك أن اللفظ المذكور في اليمين ينظر إلى معناه المتعارف عند الناس، سواء كان عرفاً خاصاً أو عاماً بقطع النظر عن معناه اللغوي أو الشرعي، مثال ذلك أن يقول: والله لا آكل رأساً فيحنث إذا أكل رأساً من الرؤوس التي جرت العادة ببيعها في الأسواق كرؤوس الغنم والبقر وهكذا، وهو المعنى الذي يقصده الناس من لفظ الرؤوس التي تؤكل، فلا يحنث بأكل رأس الطير كالبط والأوز ولا بأكل رأس العصافير ولا بأكل رأس السمك إلا إذا اصطلح الناس على بيعها في الأسواق وحدها مع أن لفظ الرأس في اللغة يطلق عليها ويعمها ولكن هذا المعنى اللغوي لا يعتبر، بل المعتبر هو المعنى العرفي كما عرفت. وكذلك إذا قال: والله لا أركب وتداً فإنه لا يحنث إذا ركب الجبل مع أن الجبل سماه القرآن وتداً، ولكن الوتد في العرف غير الجبل، على أنه لا بد من ذكر اللفظ الذي يدل على المعنى العرفي المقصود؛ فإذا فهم المعنى العرفي من العبارة بدون لفظ يدل عليه فإنه لا يعتبر مثال ذلك أن يقول: والله لا أخرج من الباب فخرج من السطح فإنه لا يحنث، وإن كان المفهوم عرفاً من هذه العبارة أنه يريد أن لا يخرج مطلقاً لا من الباب ولا من السطح، ولكن لم يذكر في العبارة لفظ يدل على هذا الغرض فلا يعتبر؛ لأن العرف لا يجعل غير الملفوظ ملفوظاً، وكذا إذا حلف لا يضربه سوطاً فضربه بعصا فإنه لا يحنث، وإن كان المعنى المقصود عرفاً أنه لا يؤذيه بالضرب مطلقاً لابالسوط ولا بالعصا، ولكن لفظ العصا غير مذكور فلا يعتبر معناه. وكذا إذا حلف لا يبيع هذه السلعة بعشرة فباعها بتسعة فإنه لا يحنث لأنه وإن كان غرضه المفهوم عرفاً أنه يريد بيعها بأكثر من عشرة فلا يبيعها بتسعة فأقل، ولكن هذا الغرض غير مسمى في اللفظ، لأنه إنما سمى العشرة وهي لا تطلق على التسعة، والعرف لا يجعل غير الملفوظ ملفوظاً. وكذا إذا حلف أنه لا يبيعها بعشرة فباعها بأحد عشر فإنه لا يحنث، لأن غرضه الزيادة على العشرة فلا يبيعها بالعشرة وحدها، والعشرة تطلق على العشرة وحدها وتطلق على العشرة مقرونة بعدد آخر، فالعرف يخصها بالعشرة وحدها لأنها غرضه فلا يحنث، أما إذا حلف لا يشتري هذه السلعة بعشرة فاشتراها بأحد