للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا خلاف أن للإمام أن يسجن الجاني بما يراه زاجراً له، ولا معنى لهذا كله إلا أن لإمام المسلمين، أو من ينوب عنه، الحق في التعزير بحسب ما يراه زاجراً للمجرمين، بل يجب عليه أن ييضع العقوبات المناسبة التي يترتب عليها تاديب رعيته، وإصلاح حالهم، لأن كل راع مسؤول عن رعيته، بنص حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكل عقوبة من العقوبات التي يراها الحاكم زاجرة توصف بما توصف به الأحكام الشرعية بلا نزاع.

وبعد فإن الذي يطلغ على الشريعة الإسلامية، ويمعن النظر فيها، ويقف على حكمها وأسرارها، ويتأمل في نظمها وقواعدها، لا يسعه إلا أن ينحني أمام عظمتها، ويجزم بأنها من لدن حكيم، عليم، فلقد جاءت بكل قانون فيه مصلحة الجميع وسعادتهم، وبنت كل أحكامها بما فيه مصلحة النوع الإنسانين وذفع المفاسد عنهم في كل شأن من شؤونهم فلم تترك مصلحة حقيقة من مصالح الأمم والشعوب إلا إذا حثت عليها وأمرت بها، ولم تترك مفسدة من المفاسد الخلقية، أو المادية إلا نهت عنها، وحذرت الناس من شرها.

[نظام الأسرة في الإسلام.]

-لقد وضعت الشربعة نظام الأسرة التي هي أساس بناء العمران على قواعد ثابتة، لا يعتريها وهن مدى الدهور والأعوام، فقد جعلت لكل فرد من أفراجها حقاً يناسبه ويليق به: من تعظيم، ونفقة، وميراث، ووصية، وغير ذلك.


متفق عليه، كما روي عن بريدة النصار رضي الله تعالى عنه، وقد فعله النبي صلى الله عليه وسلم، وفعله الصحابة رضوان الله عليهم من بعده من غير نكير منهم، وأجمعت عليه المة، وروي إن الإمام علي كرم الله وجهه، جلد من وجده مع إمراة يتمتع بها بغير زنى (مائة سوط إلا سوطين) وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، أنه ضرب من نقش على خاتمع مائة سوط، وكذلك روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه، فهو ثابت بالكتاب، والسنة، وإجماع الأمة.
الحنفية قالوا: إن ضرب التعزير يكون أشد من ضرب حد الزنا، وضرب حد الزنا، يكون أشد من ضرب حد شارب الخمر، وضرب شارب الخمر يكون اشد من حد القذف، وحد القذف أخف من جميع الحدود، لأن جريمة حد القذف غير متيقن بها، لأن القذف خبر يحتمل الصدق والكذب، وقد يعجز عن إقامة أربعة من الشهداء مع صدقة في قوله، وإنما كان ضرب التعزير أشد من جميع الحدود، لأن المقصود به الزجر، وقد دخله التخفيف، من حيث نقصان العدد، فلو قلنا: يخفف الضرب أيضاً لفات ما هو المقصود من إقامة الحد لأن الألم يخلص إليه لا ينزجر، ولهذا قالوا: يجرد في التعزير عن ثيابه إلا ما يستر عورته، مثل الإزار الواحد.

<<  <  ج: ص:  >  >>