اتفق الأئمة الأربعة على أن تعميم الجسد كله بالماء فرض، واختلفوا في داخل الفم والأنف فقال الحنابلة، والحنفية: إن من البدن، فالمضمضة والاستنشاق فرض عندهما في الغسل، وقد عرفت أن الحنابلة يقولون: إن غسل الفم والأنف من الداخل فرض في الوضوء أيضاً، ولكن الحنفية لم يوافقوهم على ذلك في الوضوء، أما الشافعية والمالكية فقد قالوا: إن الفرض هو غسل الظاهر فقط، فلا تجب المضمضة والاستنشاق لا في الوضوء ولا في الغسل، واتفقوا على ضرورة إيصال الماء إلى كل ما يمكن إيصاله إليه من أجزاء البدن، ولو كانت غائرة، كعمق السرة، ومحل العمليات الجراحية التي لها أثر غائر، وكذلك اتفقوا على أنه لا يجب أن يتكلف إدخال الماء إلى الثقب الموجوب في بدنه بأنبوبة - طلمبة - ونحوها، فلو ضرب شخص برصاصة فحفرت في بدنه ثقباً غائراً، فإن الواجب عليه أن يغسل ما يصل إليه بدون كلفة وحرج باتفاق الأربعة، إلا أن الشافعية قد اعتبروا ثقب الأذن الذي يدخل فيه القرط - الحلق - من الباطن لا من الظاهر، فلا يلزم إدخال الماء إليه. ولو أمكن، واتفقوا على إزالة كل حائل يمنع وصول الماء إلى ما تحته، كعجين وشمع وعمّاص في عينه، إلا أن الحنفية قد اغتفروا للصناع ما يلصق برؤوس أناملهم تحت الأظافر إذا كان يتعذر عليهم إزالته دفعاً للحرج، أما غيرهم فإنهم يكلفون إزالته، كما قال الأئمة الثلاثة، واتفقوا على وجوب تخليل الشعر إذا كان خفيفاً يصل الماء إلى ما تحته من الجلد، أما إذا كان غزيراً فإن المالكية قالوا: يجب أيضاً تخليله وتحريكه حتى يصل الماء إلى ظاهر الجلد، أما الأئمة الثلاثة فقد قالوا: إن الواجب هو أن يدخل الماء إلى باطن الشعر، فعليه أن يغسله ظاهراً، ويحركه كي يصل الماء إلى باطنه؛ أما الوصول إلى البشرة - الجلد - فإنه لا يجب، واختلفوا جميعاً في الشعر المضفور فالحنفية قالوا: إنه لا يجب نقضه، وإنما الواجب هو أن يصل الماء إلى جذور الشعر، فإن كان الشعر غير مضفور؛ فإنه يجب تحريكه حتى يدخل الماء في باطنه، ولم يرخص للمرأة التي على رأسها الطيب المانع من وصول الماء إلى جذور الشعر، بل قالوا: يجب عليها إزالة الطيب ولو كانت عروساً، وهذا الحكم اتفق عليه الحنفية، والحنابلة، والشافعية، وخالف عليها إزالة الطيب ولو كانت عروساً، وهذا الحكم اتفق عليه الحنفية، والحنابلة، والشافعية، وخالف فيه المالكية فقط، فهم الدين رخصوا للعروس بترك الطيب والزينة؛ وعدم غسل الرأس، وهذه رخصة جميلة، وقال الشافعية: يجب نقض الشعر المضفور إن توقف على نقضه وصول الماء إلى باطنه، وإلا فلا؛ وقال الحنابلة: يجب نقض ضفائر الرجل في الغسل بلا كلام، وأما المرأة فإنه يجب عليها أن تنقضه في الغسل من الحيض والنفاس دون الجنابة، دفعاً للمشقة والحرج، وقد انفرد المالكية وحدهم بعدِّ فرائض الغسل خمساً، على أنك قد عرفت أن النية فرض عند الشافعية أيضاً فهم متفقون مع المالكية على فرضيتها، أما الحنابلة فإنهم يقولون: إن النية شرط لا فرض، كما تقدم في "الوضوء" والحنفية يقولون: إنها سنة، وما عدا ذلك من الفرائض التي ذكرها المالكية فهي سنن عند الأئمة الآخرين) .
لم يتعذر رفعها، وإلا فلا يجب، ويجب إيصال الماء إلى ما تحت الخاتم ونحوه، على أن الحنابلة قالوا: إن التسمية فرض في الغسل بشرطين: أن يكون القائم بالغسل عالماً، فلا تفترض على الجاهل، وأن يكون ذاكراً، فلا تفترض على الناسي، وهذا الحكم خاص بهم لم يشاركهم فيه أحد الأئمة.