أما إذا كانت المسافة أكثر فإن الجمعة لا تجب، وقد عرفت حد الفرسخ فيما مضى من مذهب الحنفية، ولا تجب الجمعة على سكان الخيام، ولا على أهل القرى الصغيرة التي لا يتجاوز عدد سكانها أربعين، فإن كانوا أربعين فأكثر، فإن الجمعة تجب عليهم إذا كانوا لا يفارقونها صيفاً ولا شتاءً، ومن شروط وجوب الجمعة الإقامة، فلا تجب على المسافر إلا إذا نوى الإقامة أكثر من أربعة أيام؛ وأقل مسافة السفر المعتبرة عند الحنابلة أن يكون بين المسافر وبين المحل التي تقام فيه الجمعة فرسخ فأقل، وإلا فلا تجب عليه؛ وأما شروط صحة الجمعة فهي أربعة: أحدها. دخول الوقت، فلا تصح قبله ولا بعده، ولكن وقت الجمعة عندهم كوقت صلاة العيد، فمتى طلعت الشمس وارتفعت بمقدار ما تحل فيه الصلاة النافلة. فإن صلاة الجمعة تبتدئ عندهم، وقد تقدم توضيح مذهبهم في مبحث "وقت الجمعة" فارجع إليه أن شئت، ثانيها: أن يكون مقيماً بمدينة أو قرية على الوجه المتقدم ذكره في شروط الوجوب، فلا تصح الصلاة عندهم في صحراء أو خيمة أو نحو ذلك، خلافاً للحنفية الذين قالوا: تصح في الصحراء، ثالثها: أن يحضرها أربعون فأكثر بالإمام، وإن كان بعضهم أخرس، أما إن كانوا كلهم كذلك فإن الجمعة لا تصح، رابعها: الخطبتان بشروطهما وأحكامهما
(١) الحنفية قالوا: الأفضل أن تصلي المرأة في بيتها ظهراً، سواء كانت عجوزاً أو شابة، لأن الجماعة لم تشرع في حقها. المالكية قالوا: إن كانت المرأة عجوزاً انقطع منها ارب الرجل جاز لها أن تحضر الجمعة، وغلا كره لها ذلك، فإن كانت شابة وخيف من حضورها الافتتان بها في طريقها أو في المسجد، فإنه يحرم عليه الحضور دفعاً للفساد. الشافعية قالوا: يكره للمرأة حضور الجماعة مطلقاً في الجمعة وغيرها إن كانت مشتهاة، ولو كانت في ثياب رثة، ومثلها غير المشتهاة إن كانت تزينت أو تطيبت، فإن كانت عجوزاً وخرجت في أثواب رثة، ولم تضع عليها رائحة عطرية، ولم يكن للرجال فيها غرض؛ فإنه يصح لها أن تحضر الجمعة بدون كراهة؛ على أن كل ذلك مشروط بشروطين: الأول: أن يأذن لها وليها بالحضور، سواء كانت شابة أو عجوزاً، فإن يأذن حرم عليها؛ الثاني: أن لا يخشى من ذهابها للجماعة افتتان أحد بها، وإلا حرم عليها الذهاب. الحنابلة قالوا: يباح للمرأة أن تحضر صلاة الجمعة، بشرط أن تكون غير حسناء؛ أما إن كانت حسناء، فإنه يكره لها الحضور مطلقاً