للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مبحث في حكم صر لبن الحيوان قبل بيعه "المصراة"]

مسألة المصراة هي التي أشرنا إليها في أول مبحث الرد بالعيب، وهي مأخوذة من التصرية. ومعناها: جمع اللبن وحبسه في ضرع الحيوان بفعل البائع ليكبر الضرع، فيغتر المشتري بذلك ويشتريها ظناً منه أن عظم الضرع لسبب كثرة اللبن طبيعية، ويسمى هذا وهو منهي عنه شرعاً. فقد روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ألا تصروا الإبل والغنم. فمن ابتاعها فهو بخير النظرين بعد أن تحليها، إن شاء أمسك، وإن شاء ردها وصاعاً من تمر" متفق عليه.

وتصروا - بضم التاء وفتح الصاد - على وزان تركوا معناه: لا تجمعوا اللبن وتحبسوه في ضرع الناقة أو الشاة. وقوله ابتاعها معناه: اشتراها وقوله: فهو بخير النظرين معناه: أنه مخير بين إمساكها وردها.

وفي حكم المصراة من حيث الرد وعدمه اختلاف المذاهب (١) .


يمنعه من الرد بعد العلم، كمرض أو سجن أو خوف من ظالم أو نحو ذلك. ثم إن له الرد في أقل من يوم بدون أن يطالب بيمين.
أما اليوم واليومان فإن له الرد فيهما مع الحلف بأنه لم يرض بالعيب وأنه رد المبيع.
ويمتنع الرد إذا فعل ما يدل على الرضا مما تقدم بيانه.
وإذا كان البائع غائباً فيستحب أن يشهد على عدم الرضا، ثم إن كانت غيبته قريبة فإنه يرده على وكيله إن كان له وكيل، فإن لم يكن له وكيل، فإن شاء انتظر حضوره ليرد عليه وإن شاء رفع الأمر للقاضي. والقاضي يعلنه بالحضور أو الحكم عليه بالرد وهو غائب، وإن كانت غيبته بعيدة وعجز المشتري عن رده فإما أن ينتظره أو يرفع الأمر للقاضي، والقاضي إن كان يعلم محله أو يرجو عودته ينتظره مدة عشرة أيام في حال الأمن، ويومين في حال الخوف. ثم يحكم بالرد وإلا حكم بالرد ابتداء من غير انتظار.
الحنابلة - قالوا: لا يشترط الفور في رد المبيع بالعيب، بل يصح أن يكون على التراخي لأنه شرع له لدفع ضرر متحقق، فلم يبطل بالتأخير إلا إذا كان مقترناً بما يدل على الرضا. كما إذا اتسعمل الثوب بعد العلم بعيبه، أو أجر العين، أو ركب الدابة ونحو ذلك، إلا إذا كان قد ركبها ليختبرها أو ركبها ليقطع بها الطريق ليردها إلى البائع، فإن هذا لا يدل على الرضا. ولا يفتقر الرد إلى رضا البائع، ولا إلى حضوره، ولا إلى حكم حاكم سواء كان الرد قبل القبض أو بعده، فمتى أعلن فسخ العقد أصبح غير مسؤول عن البيع خيار التغرير الفعلي
(١) الشافعية - قالوا: إذا اشترى المصراة فحلبها فإن له ردها مع رد صاع من تمر معها. وكذا إذا

<<  <  ج: ص:  >  >>