للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مبحث فائدة تحديد النصاب في القطع]

ولعل قائلاً يقول: إن النظر إلى الجريمة في هذا الوجه يقتضي أن يد السارق تقطه، ولو سرق درهماً واحداً، فما فائدة تخصيص القطع بعشرة دراهم؟

والجواب: ان الشارع أراد أن يجعل سبب القطع مالاً له قيمة في الجملة، وهو ما يتضرر به صاحبه، فالعشرة دراهم قد تكون قوت أسرة فقيرة يومين، فاذاسرقت منها تضررت، أما ما دون ذلك، فإنه لا يودب القطع لهوانه غالباً، فإذا أفلت من القطع في هذه الحالة، فإنه لا يفلت من التعزير بالسجي، أو الضرب حتى لا يتعود.

ومثل ذلك ما إذا أراد ان يسرق فثقب المدار، أو تسور الجار، ثم منعه من السرقة مانع، فإنه يستحق في هذه الحالة عقوبة العتزير الرادعة عن العودة.


أو باعها آياه، أو آلت إليه بإرث أو غيره، فإنه يدرأ الحد عنه ولا يقطع. وذلك لأن استيفاء الحد بالفعل من القضاء في باب الحدود، فما قبل الاستيفاء كما قبل الفضاء، ولو ملك المال المسروق قبل القضاء فلا يقطع اتفاقاً، فكذا قبل الاستيفاء، ولن المقصود من القضاء باللفظ ليس إلا إظهار الحق للمستحق، والمستحق هنا هو الله عز وجل، والحق ظاهر عنده غير مفترقر إلى الإظهار فلا حاجة إلى القضاء لفظاً، ولا يقيده سقوط الواجب عنه، إلا بالاستيفاء، وإذا كان كذلك والخصومة شرط، يشترط قيامها عند الاستيفاء كما عند القضاي، وهي منتفية بالهبة، أو البيع.
والشافعية، والحنابلة، المالكية، - قالوا: يجب القطع في هذه الحالة، لأن السرقة قد تمت انعقاداً بلا شبهة، وظهوراً عند الحاكم، وقضي عليه بالقطع، ولا شبهة في السرقة إلا لو صح اعتبار عارض الملك المتأخر متقدماً ليثبت اعتباره وقت السرقة، ولا موجب لذلك فلا يصح، فلا شبهة فيقطع ومما ينفي صحة ذلك الاعتبار ما ورد في حديث صفوان، أنه قال: يا رسول الله لم أرد هذا، ردائي عليه صدقة، فقال عليه الصلاة والسلام: (فهل قبل أن تأتي به) رواه أبو داود وأبن ماجة، زاد النسائي في روايته: (فقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا بخلاف ما لو أقر له بالسرقة بعد القضاء، فإنه لا يقطع، لأن بالإقرار يظهر الملك السابق، فينتفي القطع.
إذا نقصت قيمة السرقة قبل القطع
الحنفية قالوا: في ظاهر المذهب إذا نقصت قيمة السرقة بعد القضاء، قبل الاستيفاء، عن العشرة لا يقطع لأن كمال النصاب لما كان شرطاً، يشترط كماله عند الإمضاء والقطع، لأنه من القضاء، وهو منتف في نقصان القيمة، بخلاف نقصان العين عند الاستيفاء، لأن ما استهله مضمون عليه، فكان الثابت عتد القطع نصاباً كاملاً بعضه دين، وبعضه عين، بخلاف نقصان السعر، فإنه

<<  <  ج: ص:  >  >>