للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكذا من أقدم على السرقة، ولم تتوفر فيه الشروط التي ذكرها الفقهاء، فإن اشارع يوجب تعزيره كي لا يعود. ولعل فيما ذكرناه ما يقنع هؤلاء الذين يتخيلون شدة هذه العقوبة فيدركوا انها هي عين الرحمة للسارقين، وللمجتمع كله.


لا يضمنه، لأنه يكون لفتور الرغبات، وذا لا يكون مضموناً على احد، فلم تكن العين قائمة حقيقة ومعنى، فلم يقطع والحديث يقول: (اقطعوا في ربع دينار ولا تقطعوا فيما هو أدنى من ذلك) .
الشافعية، والمالكية، والحنابلة، - قالوا: إذا نقصت قيمة العين المسروقة بعد القضاء عن قيمة النصاب فإنه يجب القطع، اعبتاراً بالنقصان في العين، فإنه إذا كانت ذات العين ناقصة وقت الاستيفاء والباقي منها لا يساوي عشرة دراهم يقطع بالاتفاق. فكذا إذا كانت قيمتها وقت الاستيفاء كانت قيمتها وقت الاستيفاء كذلك، يجب القطع أيضاً، والله أعلم.
-
طعن الملاحدة
لقد أثار الملاحدة شبهة على حد الشرقة، وطعنوا في أحكام القرآن الكريم، وقالوا: لونفذنا حد السرقة لشوهنا نسف المجتمع، وقضينا على عدد كبير من أبناء البشرية الذين تشل حركتهم، ولرأينا جيشاً جراراًمن العاطلين والمشوهين الذين قطعت أطرافهم بحد السرقة، والرد على هذه الشبهة يسير جداً، وهو أن تقول لهم: انظروا إلى المجتمع الذي كان في عهد رسول الله صلوات الله وسلامه عليه، وعهد الخلفاء الراشدين، والأمن الذي كان ينتشر فيه، والسعادة التي كانت ترفرف عليه حين كانوا ينفذون أحكام الشرعة بدقة من غير إهمال.
وقارنوا بينه وبين المجتمع الذي نحن فيه مع وجود المال، وانتشار الحضارة والمدنية في كل مكان. ولكن الأمن غير مستتب، والناس غير آمنين على أموالهم وأنفسهم، والفاسد قط عم كل مكان، والسرقات من الأفراد والجماعات والحكومات سراً وعلانية، بل إن العصابات تسطو على الناس في الشوارع والطرقات في الليل، ورابعة النهار، وفي الممحلات والسيارات والمركبات وذلك كله لعدم تنفيذ حدود الإسلام، والتمسك بأحكام الشريعة الغراء.
فتنفيذ حد السرقة هو العلاج الوحيد لهذه الفوضى التي نعيش فيها في هذا الزمان. كما أنهم طعنوا في أحكام الشريعة وقالوا جهلاً منهم إن اليد إذا اعتدي عليها تقوم في الدية بخمسمائة دينار من الذهب الخالص. فكيف تقطع في ثلاثة دراهم وهو مال حقير، وقد ذكروا أن ابا العلاء المعري لما قدم بغداد اشتهر عنه أنه اورد إشكالاً على الفقهاء، في جعلهم نصاب السرقة ربع دينار، ونظم في ذلك شعراً دل على جهله، وقلة عقله فقال:
يد بخمس مئين عسجد وديت * ما بالها قطعت في ربع دينار
تناقض حالنا إلا السكوت له * وأن نعوذ بمولانا من النار

<<  <  ج: ص:  >  >>