للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


ولما قال ذلك واشتهر عنه تطلبه الفقهاء، فهرب منهم، وقد أجابه الناس في ذلك بأجوبة كثيرة، وكان جواب القاضي عبد الوهاب المالكي رحمه الله تعالى أن قال: (لما كانت أمينة كانت ثمينة، ولما خانت هانت) ومنهم من قال: هذا مت تمام الحكمة والمصلحة وأسرار السريعة العظيمة، فإن باب الجنايات ناسب أن تعظم قيمة اليد بخمسمائة دينار، لئلا يجنى عليها، إكراماً لبني آدم، وتعظيماً لمكانته، ورفعة لحرمته، وفي باب السرقة ناسب أن يكون القدر الذي تقطع فيه ربع دينار، لئلا يسارع الناس في سرقة الأموال، فهذا هو عين كالحكمة عند ذوي العقول والألباب، ولهذا قال تعالى: {جزاء بما كسبا نكالاً من الله، والله عزيز حكيم} . أي مجازاة على صنيعهما السيء في أخذهما أموال الناس بأيديهم، فناسب أن يقطع ما استعانا به في ذلك {نكالاً من الله} أي تنكيلاً من الله بهما على ارتكاب هذا الجرم الشنيع الذي لا يلجأ إليه إلا النفوس الخبيثة التي رق دينها، ونسيت مراقبة الله لها، وباعت آخرتها بدنياها، فتعدت حدود الله من غير خوف ولا وجل، وتجرأت على أكل أموال الناس بالباطل. فكان من الحكمة، أن يقسو عليها الشرع في أحكامه حتى تردع عن غيها، وترجع عن إجرامها.
{والله عزيز} في انتقامه، لا يغالب، بل يقهر الجبارين المعتدين، {حكيم} في أمره' ونهيه وشرعه وقدره، وفيما يشرعه منأحكام لعباده، صيانة لمصالحهم، وحفظاً لأموالهم ,ارواحهم، وجلباً لسعادتهم في هذه الحياة وتطهيراً للمجتمع من المفسدين والعابثين، ولأن الأموال خلقت مهيأة للانتفاع بها للخلق أجمعين، ثم الحكمة الأولية حكمة فيها الاختصاص الذي هو الملك المك شرعاً، وبقيت الطماع متعلغة بها، والمال والحرز عن أكثرهم، فاذا أحرزها مالكها، فقد اجتمع فيها الصون والحرز الذي هو غاية الإمكان للإنسان، فإذا هنكا فشت الجريمة، فعظمت العقوبة، وإذا عنك احد الصورتين وهو المك. وجب الضمان والأدب، حتى يرتدع المعتدون، الذين لا يخافون الله واليوم الآخر، فلعنة الله على السارق الخائن، الذي يبذل الغالية الثمينة، في الأشياء المهينة.
قالوا: وقد بدأ الله بالسارق في هذه الآية قبل ذكر السارقة، وبدأ بذكر الزانية في آية الزنى قبل ذكر الزاني. لأن حب المال في قلوب الرجال أغلب منه في قلوب النساء فقد ذكر الرجال في السرقة، ولأن شهوة الاستمتاع باللذة على النساء أغلب منها على الرجال، فقد ذكر النساء في آية الزنى. والله أعلم.
وقد جعل الله تعالى حد السرقة قطع اليد لتناول المال بها، ولم يجعل حد الزنى قطع الذكر، مع واقعة الفاحشة به، لثلاثة معان، أحدهما: أن للسارق مثل يده التي قطعت، فإن انزجر بها اعتاض بالثانية، وقضى بها مآربه، ولكن ليس للزاني مثل ذكره، إذا قطع فلم يعتض بغيره لو انزجر بقطعه، الثاني: أن الحد زجر للمحدود وغيره، وقطع اليد في السرقة ظاهر يراه الناس بالعيان فيعتببرون به، أما قطع الذكر في الزنى، فهو باطن، فلا يراه أحد للعبرة.
الثالث: أن قطع الذكر فيه إبطال للنسل، وليس في قطع اليد إبطاله، ثم قال الله تعالى: {ألم

<<  <  ج: ص:  >  >>