للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مبحث دليل ثبوته.]

-فالتعزير قد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويكفي في ذلك الحديث الذي ذكرناه آنفاً، وهو: "لا يضرب فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله" متفق عليه فإنه نص على أن للحاكم إن يعزر بالضرب في الأمور التأديبية، وفي الأمور الجنائية حسبما يراه زاجراً، إلا أنه لا يزيد في غير الجنايات على عشرة أسواطا، كما بينا، وقد عزر كبار الصاحبة صلى الله عليه وسلم من بعده بالضرب والسجن، والقتل، فقد ثبت أن عمر رضي الله عنه جمع كبار علماء الصحابة رضوان الله عليهم واستشارهم في عقوبة اللائط، فأفتوا بإعامه حرقاً، وهذا من أشد ما يتصور في باب التعزير، وثبت أن عليا وجد رجلاً مع امرأة يستمتع بها بغير جماع، فجلده مائة سوط (١)


بجلده، وبعد ايام رآه سيدنا عمر على حاله من العبث والتخنث فأمر بجلده مرة أخرى، ولم مض وقت طويل حتى جار الرجل وقد استقامت مشيته واعتدل مسلكه، وقال: جزال الله خيراً يا أمير المؤمنين لقد كان الشيطان يلازمني فأذهبه الله عني بعقوبتك.
وروي أيضاً أنه رأى امرأة في زي غير لائق ينم عن لريبة، فسأل عنها فرف أنها إحدى الجواري، فنهرها وضربها بدرته وحذرها من أن يراها متبذلة مرة أخرى، فلم ترى بعد ذلك إلا متحشمة. وحدث أن سيدنا عمر رضي الله عنه مر يوماً بسوق المدينة فرأى رجلاً أمه (إياس بن مسلمة) يعترض طريق المسلمين ويرفع صوته صاخباً عليهم ببضاعنه، وهو يسد عليهم مسالكهم، فعلاه بدرته فاستجاب الرجل وامتثل أمر أمير المؤمنين، واستقام حاله.
فهذه قضايا لا حدود لها في الإسلام، ولكن الحاكم تصرف فيها من باب التعزير الذي شرعه الله تعالى له) .
-

(١) (وكذلك في حالة نشوز المرأة، وفي حالة منع الزوج من حقه مع القدرة لقوله تعالى: {واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن، واهجروهن في المضاجع، واضربوهن} الآية ٣٤ من سورة النساء.
فقد أباح الشارع الضرب عند المخالفة، فكان فيه تنبيه من الشارع الحكيم إلى التعزير، وكذلك قول الرسول صلوات الله وسلامه عليه في الحديث الشريف في سرقة التمر: (إذا كان دون نصاب غرم مثله، وجلدات نكال) رواه أو داود واللفظ له ورواه النسائي.
وروى الإمام البيهقي رحمه الله تعالى فيه صحيحه (أن الإمام علياً كرم الله وجهه، ورضي الله عنه سئل عمن قال لرجل: يا فاسق، يا خبيث، فقال: يعزر)
وما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يجلد فوق عشرة اسواط إلا في حد من حدود الله تعالى) .

<<  <  ج: ص:  >  >>