للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا، ولا يشترط لصحة الطلاق الإسلام، فإذا طلق الذمي امرأته فإن طلاقه يعتبر، كما تقدم في مبحث أنكحة غير المسلمين (١) .

[مبحث تقسيم الطلاق]

-قسم الفقهاء الطلاق باعتبارات مختلفة، فمن حيث وصفه بالأحكام الشرعية قسموه إلى واجب، ومحرم، ومكروه، ومندوب، وجائز، فيقال: الطلاق واجب إذ عجز الرجل عن القيام بحقوق الزوجية، ويقال: محرم إذا ترتب عليه الوقوع في حرام، أو تربت عليه اجحاف بالمرأة وظلم، ويقال: مكروه أو مندوب. أو جائز باعتبار ما يترتب عليه مما سنعرفه قريباً.


المجنون لا يلزم أن يكون دائماً في حالة لا يعلم معها ما يقول: فقد يتكلم في كثير من الأحيان بكلام معقول، ثم لا يلبث أن يهذي.
ولا يخفى أن هذا تأييد لقول ابن القيم، غاية ما هناك أن ابن القيم صرح بأنه لا يكون كالمجنون، وهذا يقول: إنه كالمجنون، وبالرغم من كون ابن القيم حنبلي المذهب فإن الحنابلة لم يقروه على هذا الرأي.
والذي تقتضيه قواعد المذاهب أن الغضب الذي لا يغير عقل الإنسان ولا يجعله كالمجنون فإن الطلاق فيه يقع بلا شبهة، ومثله الغضب بالمعنى المذكور في القسم الثالث، وهو أن يشتد الغضب بحيث يخرج صاحبه عن طوره ولكنه لا يكون كالمجنون الذي لا يعلم ما يقول فإن طلاقه يقع، أما الغضب الذي يغير العقل ويجعل صاحبه كالمجنون فإن الطلاق فيه لا يعتبر ولا يلزم بلا شبهة.
وهذا ظاهر كلام الحنفية أيضاً، ولكن التحقيق الذي ذكرناه عن بعض الحنفية من أن الغضبان إذا خرج عن طوره وأصبح يهذي في أقواله وأفعاله فإن طلاقه لا يقع، هو رأي حسن لأنه يكون في هذه الحالة كالسكران الذي ذهب عقله بشراب غير محرم، فإنهم حكموا بأن طلاقه لا يقع، فينبغي أن يكون الغضبان مثله.
وقد يقال: أن قياس الغضبان على السكران بشراب غير محرم يجعل الحكم مقصوراً على من كان غضبه لله، بأن غضب دفاعاً عن عرضه، أو ماله، أو نفسه، أو دينه أما من كان غضبه لسبب محرم، كأن غضب حقداً على من لم يوافقه على باطل، أو غضب على زوجته ظلماً وعدواناً، ووصل إلى هذا الحد، فإن طلاقه يقع، لأنه قد تعدى بغضبه، والجواب: أن الغضب صفة نفسيه قائمة بنفس الإنسان تترتب عليها آثارها الخارجية، وهي في ذاتها ليست محرمة، بل هي لازمة في الإنسان لتبعثه إلى الدفاع عن دينه، وعرضه، وماله ونفسه، وإنما المحرم استعمالها في غير ما خلقت له، بخلاف الخمر فإنه لا يصح للإنسان أن يتعاطاها على أي حال، فإيقاع الطلاق على السكران المتعدي إنما هو للزجر عن قربانها بالمرة، أما الغضب فلا يمكن النهي عنه في ذاته لأنه لا بد منه للإنسان، فلا يصح قياس الغضب على الخمر ونحوه من الأشياء التي يجب على الإنسان أن لا يقر بها بالمرة)
(١) (المالكية - قالوا: إن طلاق الكافر لا يعتبر، كما تقدم) .

<<  <  ج: ص:  >  >>