أما ما نقله بعضهم من أن مالكاً ينظر إلى المصلحة مهما ترتب عليها من ارتكاب المحظور حتى أجلز قتل ثلث الناس لإصلاح الثلثين فهو مكذوب على المالك رضي اله عنه. فإن الشريعة قد جعلت للناس حدوداً يقفون عندها، وجعلت للجناية عقوبات خاصة. فمن سببت عليه جناية ينال جزاءها. وبذلك ينصلح الناس، وتستقيم أحوالهم. أما ذلك القول الهراء، فإنه يفتح باب الشر على مصراعيه، ويجعل للظلمة سبيل على الأبرياء فيسفكون الدماء بحجة أن فيه إصلاح للناس وأي مجتهد يجرئ على تقرير تلك القاعدة الفاسدة، ولذا قال بعض أئمة المالكية لا يصح أن يسطر هذا في الكتب فإنه لا يوافق شيئاً من القواعد الشرعية. ومن ذلك ما قاله من أن الناس إذا كانوا في مركب وسقلت بهم فإنهم يقترعون على من يلقي منهم في البحر بنجات الباقين فإن ذلك ليس بصحيح فإنه لا معنى لإزهاق روح إنسان من أجل حياة مثله فلا يصح أن يرمي آدمي في البحر لنجات الباقين ولو ذمياً. وإنما يضمن الصانع ما تحت يده بشروط: الشرط الأول: أن ينصب نفسه للصنعة لعموم الناس، كأن يجعل له محل خاصاً يتقبل فيه مصنوعات الناس - لافرق في ذلك بين أن يعمل في دكان بالسوق أو يعمل في داره - فإن لم ينصب نفسه للصنعة ولم يجعلها سبب معاشه كنجار ترك صنع النجارة واشتغل بالزراعة ثم عمل لشخص بخصوصه أو عمل لجماعة بخصوصهم فإنه لا ضمان عليه فيما تلف أو هلك من صنعته سواء استلم المتاع ليعمل في داره أو عمله بمنزل صاحبه. الشرط الثاني: أن يستلم المتاع ليعمل في دكانه فإن أفسده أو أضاعه ليكون عليه ضمانه حتى لو كان صاحبه حاضرا معه أما إذا لم يستلم بل عمله في منزل صاحبه فإنه لا يضمنه. الشرط الثالث: أن لا تقوم البينة على أن المتاع قد ضاع منه قهراً بدون تفريط ولا تضييع، فإذا قامت البينة على ذلك فإنهم لا يضمنون وقيل عليهم الضمان مطلقاً حتى ولو قامت البينة على أنه ما أضاعوه هم بل ضاع قهراً والأول أصح. ومثال ذلك الأعمال التي فيها خطورة طبيعية كثقب اللؤلؤ ونقش الفصوص وتقويم السيوف