ومن شورط الموكل فيه أن لا يكون حداً من الحدود التي لا تشترط فيها الدعوى كحد الزنا وحد الشرب، فإن إثباته تكفي فيه شهادته الحسبة بدون دعوى فلا يصح فيه التوكل، لا في إيفائه ولا في استيفائه، والمراد قبضه. أما الأول فظاهر لأنه لا يصح أن يقول شخص لآخر وكلتك عني في تأدية حد الرب فتسلم طهرك للجلد ولو وقع لأنه لا يصح إلا من الجاني. وأما الثاني: فلأن هذا الحديث بدون دعوى فلا يصح فيه التوكيل مطلقاً. وأما الحدود التي تحتاج إلى إقامة الدعوى كحد القذف وحد السرقة في صحة التوكيل فيها خلافاً فأبو حنيفة ومحمد يقولان بأن التوكيل يصح في إثبات الحد فإذا وكب شخص آخر في حد القذف على من قذفه فإنه يصح هذا التوكيل سواء كان الموكل حاضراً أو غائباً أما في الاسيفاء فإنه يجوز التوكيل إذا كان الموكل حاضراً بأن يحضر هو ووكيله حال تنفيذ الحد، وأبو يوسف يقول: لا يصح فيه التوكيل كسابقه، إلا أنه يقول: إن الممنوع إنما هو التوكيل في إثبات الحد، أما التوكيل في إثبات المال المسروق فإنه يونفق عليه أبا حنيفة ومحمداً، ولا يخفى أن حد الزنا وحد الشرب من حقوق الله تعالى، وكذلك حد القذف وحد الشرب، ومعنى كونها من حقوق الله أن الله تعالى قرر لها عقوبة ثابتة ليس للمجني عليه فيها شأن فلا بد من تنفيذها، فالظاهر أن أبا يوسف يقول: إن التوكيل فيها لا معنى له سواء احتاجت لدعوى أو لا. وأما حقوق العباد فإنها تنقسم إلى قسمين: نوع لا يجوز اسيفاؤه مع وجود شبهة، ونوع يجوز استيفاؤه مع الشبهة. مثال الأول: القصاص في القتل أو القود، وهو القصاص في إتلاف عضو أو نحوه مما هو أقل من النفس؛ وهذا النوع يصح التوكيل في إثباته عند أبى حنيفة ومحمد أيضاً، ولا يجوز في إيفائه ولا في استيفائه. أما الأول: فظاهر، إذا لا يصح أن يوكل شخص آخر في أن يقتل نفسه بدلاً عنه ليدفع عنه حد جنايته أو يقطع عضواً منه لأن ذلك لا يصلح إلا من الجاني نفسه. ومثال الثاني: وهو ما يجوز استيفاؤه مع الشبهة كالديوان والأعيان وسائر الحقوق غير القصاص، فإنه يصح للوكيل أن يستلمها مه وجود شبهة عفو صاحبها وتركها لمن هي عليه، فهذا النوع يصح التوكيل فيه إيفاء واستيفاء باتفاق. ويجوز التوكيل في سائر العقود سوى ما ذكر كالبيع والشراء والإجارة والنكاح والطلاق والهبة والصدقة والخلع والصلع والإعارة والاستعارة وقبض الحقوق والخصومات وتقاضي الديون