للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد خصص من هؤلاء الكتابية للرجل المسلم بقوله تعالى: {والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم} فهذه الآية تفيد حل الكتابية بالنص، ولو قالت إن المسيح إله، أو ثالث ثلاثة، وهو شرك ظاهر، فأباحهن الله لأن لهن كتاباً سماوياً.

وهل إباحتهم مطلقة أو مقيدة بالكراهة؟ وفي ذلك تفصيل المذاهب (١) .


(١) (الحنفية - قالوا: يحرم تزوج الكتابية إذا كانت في دار الحرب غير خاضعة لأحكام المسلمين لأن ذلك فتح لباب الفتنة، فقد ترغمه على التخلق بأخلاقها التي يأباها الإسلام ويعرض ابنه للتدين بدين غير دينه، ويزج نفسه فيما لا قبل له به من ضياع سلطته التي يحفظ بها عرضها، وغير ذلك من المفاسد فالعقد وإن كان يصح إلا أن الإقدام عليه مكروه تحريماً لما يترتب عليه من المفاسد، إما إذا كانت ذمية ويمكن إخضاعها للقوانين الإسلامية، فإنه يكره نكاحها تنزيهاً.
المالكية - لهم رأيان في ذلك، أحدهما: أن نكاح الكتابية مكروه مطلقاً، سواء كانت ذمية، أو حربية. ولكن الكراهة في دار الحرب أشد. ثانيهما: أنه لا يكره مطلقاً عملاً بظاهر الآية لأنها قد أباحته مطلقاً، وقد عللوا كراهتها في دار الإسلام بأن الكتابية لا يحرم عليها شرب الخمر ولا أكل الخنزير، ولا الذهاب إلى الكنيسة، وليس له من ذلك، وهي تغذي الأولاد به فيشبون على مخالفة الدين، أما في دار الحرب فالأمر أشد كما بينا عند الحنفية.
وقد يقال: إن هذه المحظورات محرمة. ومذهب مالك مبني على سد الذرائع، فإذا ترتبت على نكاح الكتابية هذه المفاسد، أو خيف منها كان الإقدام على العقد محرماً.
وقد يجاب بأن محل هذا عند عدم وجود النص، أما وقد أباح الله نكاح الكتابية، فلا بد أن تكون المصلحة في إباحتها، إذ قد يترتب على مصاهرة الكتابي مصلحة للدين وإعزاز له أو دفع للمشاكل، والقضاء على الأحقاد والضغائن، فضلاً عما في ذلك من إعلان سماحة الدين وتساهله مع المخالفين في العقيدة من أهل الكتاب، فإن الدين يبيح للرجل أن يقترن بالكتابية وهي على دينها لا يضمر عداء لهؤلاء المخالفين، ولا يبطن لهم حقداً وإنما لم يبح للمرأة أن تتزوج الكتابي لأن المرأة مهما قيل في شأنها لا يمكنها أن تقف في سبيل زوجها غالباً، فتكون مهددة بتغيير دينها، وأولادها لا محالة أن يتبعوا أباهم وهي لا تستطيع ردهم، والإسلام وإن تسامح فيما يجدد الروابط فإنه لا يمكنه التسامح فيما يخرج المسلم من دينه، أو يجعل ذريته من غير مسلمين، فهو قد أباح الكتابية للمسلم ونهاه عن إكراهها على الخروج من دينها، أما الأديان الأخرى فليس فيها هذا الضمان ولما كان الرجل قوياً في الغالب جعل أمر ضمانه هو وأولاده موكولاً لقوة إرادته، وحال بين المرأة ضعيفة الإرادة وبين تزوجها من الرجل الكتابي.
الشافعية - قالوا: يكره تزوج الكتابية إذا كانت في دار الإسلام، وتشتد كراهة إذا كانت في دار الحرب كما هو رأي بعض المالكية، ولكنهم اشترطوا للكراهة شروطاً:

<<  <  ج: ص:  >  >>