وما نقل عن بعضهم أنه تأثر بعادات قومه لم يكن مشركاً مطلقاً انظر ما روي عن جده عبد المطلب وهو يضرع إلى الله ويستغيث به من أصحاب الفيل حيث يقول: لا هم إن المرء يمنع رحله فامنع رحالك * وانصر على آل الصليب وعابديه اليوم آلك فهل هذا كلام وثني يعبد الصنم، أو كلام موحد مخلص لربه؟ والذي أثار مثل هذه الشبهات الفاسدة أمران: أحدهما ما نقل عن أبي حنيفة أن أبوي النبيّ صلى الله عليه وسلم ماتا على الكفر. ثانيهما: ما رواه مسلم من أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال للأعرابي الذي سأله عن أبيه: "إن أبي وأباك في النار" أما قول أبي حنيفة رضي الله عنه فإن الذي حمله على ذلك هو تأييد مذهبه من أن أهل الفترة غير ناجين إذا أشركوا مع الله غيره فهم ملزمون بتوحيد الله بعقولهم لأن معرفة الله ثبتت بالعقل لا بالشرع، فغير الموحد من أهل الفترة مثل غيره من المشركين الذين جاءتهم الرسل ولا يخفى أن البحث يدور حول هذه المسألة من جهتين: إحداهما هل أهل الفترة ناجون أو لا، ثانيتهما: هل ثبت كون آباء النبيّ صلى الله عليه وسلم لم يكونوا موحدين أو لا، وما طريق الإثبات؟ ولا يخفى أن الأولى اعتقادية، ومعلوم أن العقائد لا تثبت إلا بالقطعي من دليل عقلي أو نقلي، والثانية تاريخية. فأما الأدلة على أن أهل الفترة ناجون، فهي قطعية في نظري، وذلك لأن الله تعالى قال: {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً} وحمل الرسول على العقل خروج على الظاهر المعقول بدون ضرورة فإن الرسول إذا أطلق في لسان الشرع كان معناه - الإنسان الذي أوحى إليه بشرع أمر بتبليغه - والقرآن من أوله إلى آخره على هذا، قال تعالى: {لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل} {وأرسلنا رسلنا تترى} {جاءتهم رسلهم} {وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه} ، وهكذا، فإذا استطاعوا أن يأتوا بكلمة رسول في القرآن على غير هذا المعنى كان لهم العذر، وهذا هو المعقول المطابق لسنن الله في خلقه، فإن الله سبحانه قد أرسل الرسل من بدء الخلق إلى أن استقرت وختمت بالشريعة الإسلامية التي لا تقبل الزوال، بل جعل الله في طبيعتها ما يجعلها تنمو وتزداد كلما تجدد الزمن، وليس من المعقول أن تقول: إن الله أرسل الرسل لتبليغ الشرائع الفرعية وتبليغ أحوال الآخرة فحسب، أما معرفة