وقال بعض الحنفية: إن القرعة أحب تطيباً لخاطر الزوجات، والذي أفهمه أن عدم القرعة أحب، وذلك لأننا قلنا: إن المسألة منوطة بالمصلحة، وقد تخرج القرعة لمن لا تصلح، نعم انهم قالوا: إن له في هذه الحالة أن يرد القرعة ويأخذ الصالحة، ولكن هذا ينتج عكس المطلوب، وهو ترضية القلوب، لأن التي تخرج القرعة لها فلا تنفذ معها ينكسر خاطرها وتسوء حالها، فأولى أن لا يقرع بل يختار الصالحة من أول الأمر، نعم قد يقال: إذا كن متساويات في الصلاحية للسفر وتدبير المنزل ينبغي أن يقرع بينهن تطييباً لخاطرهن. هذا، وليس للباقيات قسم، فإذا سافر بإحداهن وقضى معها مدة أسقطت من الحساب وفازت معه بها فعند العودة لا يقضيها لضراتها، لا فرق بين أن تكون مدة سفر، أو مدة إقامة، ولا فرق بين أن تكون من أجل الحج والغزو أو لا، وكذا لا فرق بين أن تكون سفر معصية أو لا، وإذا سافرت الزوجة وحدها وحضرت فلا حق لها في المطالبة بما مضى، لأن الذي مضى لا يعود ولو كان السفر بإذنه. هذا وإذا سافر بهن جميعاً هل يجب القسم بينهن في السفر أو لا؟ لا نص على هذا في كتب الحنفية، والذي أراه أنه يجب عليه القسم، وقد صرح به الحنابلة. المالكية - قالوا: للزوج أن يختار من يسافر بها من بين زوجاته بدون قرعة، وسواء كان السفر من أحل الحج والغزو أو لا، وهذا القول هو ظاهر المدونة، فإنها أطلقت، ولكن بعضهم حمل هذا على ما إذا كان السفر لغير الحج والغزو. فإن كان لهما وجبت القرعة لما فيهما من ميزة توجب التزاحم والمشاحة، وهو المشهور، ولكن السفر للحج في زماننا هو الذي يوجب المشاحة، أما الغزو فلا، ولا تقضي مدة السفر ذهاباً وإياباً ولا مدة الإقامة، فالتي سافرت هي وحدها، ولو بإذنه لا حق لها في المطالبة بما فاتها ولو كان ذلك لقضاء حاجتها، وبالجملة فالذي يفوت من أوقات القسم لا يقضى ولو لم يكن مسافراً. الشافعية - قالوا: إذا سافر سفراً قصيراً لغير نقلة من البلد إلى بلد آخر فإنه يصح له أن يأخذ بعض نسائه ويترك البعض بشروط: الأول أن يقرع بينهن، فمن خرج سهمها أخذها حتماً. الثاني: أن يكون السفر مباحاً. فإذا كان عاصياً بسفره، كما إذا سافر لتلصص، فإنه لا يحل له أن يأخذ واحدة منهن. الثالث: أن عليه قضاء المدة التي يقطنها مع من يأخذ في الجهة التي سافر إليها