للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- ٢ - أما الجواب عن السؤال الثاني، فقد أجمع الأئمة الأربعة على أن طلاق المرأة وهي حائض أو نفساء معصية محرمة، ويقال له: بدعي، منسوب للبدعة المحرمة، بخلاف طلاقها في الطهر الذي جامعها فيه، فإن المالكية قالوا: إنه مكروه لا حرام، ولكن الحديث الذي معنا لم يظهر منه فرق بين الحالتين، فمن أين نأخذ أنه في الأول حرام، وفي الثاني مكروه؟ ولعلهم يفرقون بين الحالتين بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد غضب لما قال له عمر: إن عبد الله طلق امرأته وهي حائض وغضب النبي صلى الله عليه وسلم على أنه معصية، أما في الحالة الثانية فإنه بين الطريق التي تتبع فخيره بين أن يمسكها وبين أن يطلقها من قبل أن يمسها، ولا دليل في هذا على التحريم إذا طلقها بعد أن يمسها، غايته أنه يكره.

- ٣ - أما الجواب عن السؤال الثالث، فبالسلب، فلا يجوز للرجل أن يطلق امرأته بدون سبب ولو كان طلاقاً سنياً. وقد أجمع الأئمة الأربعة على أن الأصل في الطلاق المنع ما عدا المالكية فإنهم قالوا: خلاف الأولى، ثم إن الشافعية والحنابلة قالوا: مكروه، وظاهر عبارات الحنفية تفيد كراهة التحريم، وعلى هذا فلا يحل للزوج أن يطلق زوجته إلا لحاجة تقتضي الطلاق، وذلك لأن الطلاق يقطع عقد الزواج وقد شرعه الله لضرورة التناسل الذي لا بد منه لبقاء العمران إلى الأجل الذي أراده الله وقضاه، فخلق من أجل ذلك الزوجين وجعل بينهما مودة ورحمة، فطلاق الزوجة من غير سبب سفه وكفران لنعمة الله، فضلاً عما فيه من أذى يلحق الزوجة وأولادها إن كان لها أولاد. فما يفعله بعض الشهويين الذين لا خلاق لهم من تطليق زوجاتهم بدون سبب لا يقره الدين الإسلامي ولا يرضاه، ولا بد أن ينتقم الله من هؤلاء في الدنيا وفي الآخرة، ولا يبرر جنايتهم على زوجاتهم الغافلات المخلصات وأبنائهم الضعاف ما يزينه لهم بعض السخفاء من جواز الحصول على أكبر قسط ممكن من اللذات المباحة، لأن العدوان على الزوجة المخلصة بدون سبب يجعله حراماً لا مباحاً، فلا يصح للإنسان أن يؤذي الناس من أجل أن يتلذذ، وإلا كان هو والحيوان المفترس سواء، على أن الذين يعتقدون أن علاقة الزوجية منحصرة في الاستمتاع والتلذذ بالمرأة بدون أن تتجاوزه إلى معنى آخر فيندفعون وراء شهواتهم كالبهم بدون حساب، مخطئون كل الخطأ، فإن علاقة الزوجية لها من التقديس والاحترام فوق هذا الذي يظنون، كيف لا وهي أساس بناء العمران وسبب وجود الإنسان، إذ لولا ما أوجده الله من الرحمة والمودة بين الزوجين وأودعه في قلبيهما من العطف الذي يدفع كل واحد إلى التعلق بالآخر لما وجد النوع الإنساني، فلا يحل للرجل أن ينظر إلى زوجته نظراً مهيناً فيظن أنها ليست سوى محل لقضاء اللذة بدون تدبر للسبب الحقيقي الذي جمعهما الله من أجله.

<<  <  ج: ص:  >  >>