على علاقة الزوجية، ومعالجة بقائها بما هو غالب على طبائع الناس، فإن البعد عن الزوجة مثل هذا الزمن فيه تشويق للزوج إليها، فيحمله على زنة حاله معها وزناً صحيحاً، فإذا لم تتأثر نفسه بالبعد عنها ولم يبال بها، سهل عليه فراقها، وإلا عاد إليها نادماً على اساءتها مصراً على حسن معاشرتها، وكذلك المرأة، فإن هجرها من وسائل تأديبها، فقد تكون سبباً في انصرافه عنها باهمال زينتها أو بمعاملته معاملة توجب النفرة منها، فبعده عنها هذه المدة زاجراً لها عما عساه أن يفرط عنها، فانتظار هذه المدة لازم ضروري لبقاء الزوجية.
وقوله تعالى:{وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم} يحتمل أمرين: أحدهما إن أصروا على تنفيذ يمينهم وهجروا نسائهم فلم يقربوهن حتى انقضت المدة المذكورة، وهي أربعة أشهر، فإن ذلك يكون إصراراً منهم على الطلاق، فيكون طلاقاً ولو لم يطلقوا (١) أو تطلب المرأة الطلاق، فانقضاء المدة في ذاته طلاق، ووجه ذلك أن قوله تعالى:{للذين يؤلون من نسائهم} الخ كلام مفصل بقوله {فإن فاؤوا فإن الله غفور رحيم وإن عزموا} الخ، واللغة تقتضي أن المفصل - بكسر الصاد - يقع عقب المفصل بدون فاصل، فيجب أن تقع الفيئة - بمعنى الرجعة - إلى الجماع أو يقع الطلاق عقب انقضاء مدة أربعة أشهر بدون فاصل من طلب المرأة أو تطليق الرجل، ونظير ذلك أن يقول شخص لآخر: إنني نزلت بجواركم، فإن أعجبكم ذلك مكثت وإلا رحلت فإن معنى هذا إن لم ترضوا عني رحلت بدون أن أعمل أي عمل آخر سوى الرحيل.
المعنى الثاني: أن معنى قوله تعالى: {وإن عزموا الطلاق} أي عزموا على الطلاق بعد مضي المدة، فالعزم على الطلاق لا يتحقق إلا بعد مضي المدة، بأن يطلقها من تلقاء نفسه، أو ترفع الأمر للقاضي على الوجه الذي ستعرفه.
فالفاء في قوله تعالى:{فإن فاؤوا} للتعقيب، أي فإن فاؤوا عقب مضي المدة إلى جماع زوجاتهم وأخرجوا كفارة أيمانهم {فإن الله غفور رحيم وإن عزموا} على الطلاق عقب انقضاء المدة {فإن الله سميع عليم} وعلى الأول أن يكون معنى قوله تعالى: {فإن الله سميع عليم} سميع لإيلائهم عليهم بما يترتب عليه من ظلم المرأة وإيذائها بانقضاء المدة من غير فيئة، فيعاقبهم عليه، ففيه تهديد للذين يصرون على هجر الزوجة حتى تنقضي المدة التي يترتب على
(١) (الحنفية - قالوا: هذا هو الذي يجب العمل به، فمتى مضت المدة طلقت منه طلقة بائنة بدون عمل آخر، وسيأتي إيضاح مذهبهم في التفصيل الذي بعد هذا، وخالفهم الأئمة الثلاثة) .