المالكية قالوا: إذا كان المصلي في جهة لا يعرف القبلة، فإن كان في هذه الجهة مسجد به محراب قديم، فإنه يجب عليه أن يصلي إلى الجهة التي فيها ذلك المحراب، وتنحصر المحاريب القديمة في أربع، وهي: محراب مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، ومحراب مسجد بني أمية بالشام: ومحراب مسجد عمرو بن العاص بمصر، ومحراب مسجد القيروان، فلو اجتهد وصلى إلى غير هذه المحاريب بطلت صلاته، أما غير هذه المحاريب، فإن كانت موجودة في الأمصار، وموضوعة على قواعد صحيحة أقرها العارفون، فإنه يجوز لمن كان أهلاً للتحري أن يصلي إلى هذه المحاريب، ولا يجب عليه أن يصلي إليها، أما من ليس أهلاً للتحري فإنه يجب عليه أن يقلدها، أما المحاريب الموجودة بمساجد القرى، فإنه لا يجوز لمن يكون أهلاً للتحري أن يصلي إليها، بل يجب عليه أن يتحرى عن وضعها قبل الصلاة، فإنه لم يكن أهلاً للتحري؛ فإنه يجب عليه أن يصلي إليها إن لم يجد مجتهداً يقلده. والحاصل أن الجهات التي فيها محاريب تنقسم إلى ثلاثة أقسام: الأول: محاريب المساجد الأربعة التي ذكرناها، وهذه لا يجوز استقبال غيرها، الثاني: المحاريب الموجودة في مساجد الأمصار الموضوعة على قواعد صحيحة، وهذه لا يجب على من كان أهلاً للاجتهاد أن يصلي إليها، بل له أن يتركها ويجتهدن وله أن يصلي إليها، القسم الثالث: المحاريب الموجودة في مساجد القرى، وهذه لا يجوز لمن كان أهلاً للتحري أن يصلي إليها، أما غيره فيجب أن يصلي إليها. هذا حكم الجهات التي بها محاريب، فإن وجد في جهة ليس بها محاريب وكان يمكنه أن يتحرى جهة القبلة، فإنه يجب عليه أن يتحرى، ولا يسأل أحداً، الا إذا خفيت عليه علامات القبلة، وفي هذه الحالة يلزمه أن يسأل عن القبلة شخصاً مكلفاً عدلاً، عارفاً بأدلة القبلة، ولو كان أنثى أو عبداً. هذا إذا كان أهلاً للتحري وللاجتها، فإن لم يكن أهلاً لذلك، فإنه يجب عليه أن يسأل شخصاً مكلفاً عدلاً عارفاً بالقبلة، فإن لم يجد من يسأله فإنه يصلي إلى أي جهة يختارها وتصح صلاته. وبهذا تعلم أن المالكية متفقون مع الحنفية في ضرورة اتباع المحاريب القديمة، الا أن المالكية اقتصروا على أربعة منها، والحنفية قالوا: إن جميع المحاريب التي بناها الصحابة والتابعون مقدمة على ما عداها من أمارات القبلة، ومختلفون في السؤال والتحري، فالحنفية يقولون: إذا لم يجد محاريب، فإن عليه أن يسأل أولاً. فإن لم يجد من يسأله يتحرى، أما المالكية فإنهم يقولون: من كان أهلاً للتحري، فإنه يجب عليه أن يتحرى ولا يسأل أحداً، وغلا إذا خفيت عليه علامات التحري. الشافعية قالوا: مراتب القبلة أربعة: المرتبة الأولى: أن يعلم بنفسه، فمن أمكنه أن يعرف القبلة بنفسه فإنه يجب عليه أن يعرفها بنفسه ولا يسأل عنها أحداً. فالأعمى الموجود في المسجد إذا كان يمكنه مس حائط المسجد ليعرف القبلة، فإنه يجب عليه أن يفعل ذلك، ولا يسأل أحداً، المرتبة