للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


وروى الطبراني في الكبير من حديث بن عمر رضي اللَّه عنهما (الخمر أم الخبائث، وأكبر الكبائر، ومن شرب الخمر ترك الصلاة، ووقع على أمه، وعمته) .
وقد جعل اللَّه تعالى النهي عنها بلفظ الإجتناب فقال {فاجتنبوه} أي كونوا جانباً منه وهو أبلغ من لفظ التحريم والترك لأنه يفيد الأمر بأن يكون التارك في جانب بعيد عن الشيء، لخطورته وفظاعته، أي ابتعدوا عنه، وخذوا حذركم منه فليعتبر أولئك الفسقة الذين يقولون: إنما الخمر لم ينزل فيها نهي في القرآن، أي لم يصرح القرآن بأنها حرام، والحق أنه نهى عنها بأبلغ عبارة التحريم، ثم جعل اللَّه تعالى اجتنابها والبعد عنها يوصل للفلاح، ويقرب إلى الفوز والسعادة الدنيوية والآخروية، فقال تعالى {لعلكم تفلحون} وفيه إشارة أن شربها يقرب من الخسران والخيبة، وفساد الدين والدنيا معاً، وضياع الصحة والعقل والمال.
ولما أمر اللَّه تعالى باجتناب هذه الموبقات الأربع ذكر نوعين من أكبر المفاسد الخطرة في الخمر والميسر، الأول: ما يتعلق بالدنيا وهو قوله تعالى: {إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر} أما في الخمر فلأن الغالب أن من يقبل على شرب الخمر، إنما يشربها مع أصحابه ويكون قصده من ذلك الشرب أن يستأنس برفقائه، ويسر بمحادثتهم ومكالمتهم، فأن غرضه من ذلك الإجتماع تأكيد الإلفة والمحبة، إلا أنه ينقلب في كثير من الأحيان إلى ضد مقصوده لأن الخمر يزيل العقل، وإذا ذهب العقل استولت الشهوة والغضب من غير مدافعة العقل، وعند استيلائهما تحصل المنازعة والمشاحنة بين المجتمعين، وربما أدت إلى الضرب والقتل والمشافهة بالفحش، وذلك يورث أشد العداوة والبغضاء بين أفراد المجتمع الواحد، والميسر، يجر صاحبه إلى الفقر والمسكنة حتى يصل به الحال أن يقامر على جسده وأهله، وولده بعد فقدان ماله فيصير من أعدى الأعداء لأولئك الذين كانوا يلاعبونه.
فظهر أن الخمر والميسر سببان عظيمان في إثارة العداوة، والبغضاء بين الناس، وتقطيع أوصال المجتمع، ولاشك أن العداوة والبغضاء تفضي إلى أحوال مذمومة، من الهرج والمرج والفتن، وفساد المجتمع الإنساني كله.
النوع الثاني - المفاسد المتعلقة بالدين، وإليه الإشارة بقوله عز وجل {ويصدكم عن ذكر اللَّه وعن الصلاة} وهما روح الدين وعماده.
أما أن الخمر تمنع عن ذكر اللَّه فظاهر لأن شرب الخمر يورث الطرب، واللذة الجسمانية، والنفس إذا استغرقت في الملذات، غفلت عن ذكر اللَّه تعالى وأعرضت عن طاعته عز وجل.
وأما الميسر، فلأن إستغراق الشخص في العب مانع من أن يخطر بباله شيء سواه، وهي تصد اللاعب عن ذكر اللَّه، وتصرفه عن الصلاة، وتنسيه طاعة مولاه.
ولما بين اللَّه تعالى اشتمال شرب الخمر ولعب الميسر على هذه المفاسد الخطيرة في الدنيا

<<  <  ج: ص:  >  >>