وإذا أقر الزاني، أربع مرات، سأله القاضي عن الزنا ما هو؟ وكيف هو؟ وأين الزنا،؟ وبمن زنى؟ فإذا بين ذلك كله وصرح به لزمه الحد، لتمام الحجة عليه، ولم يشترط السؤال عن الزمان، كما اشترط في شهادة الشهود لأن تقادم العهد يمنع قبول الشهادة دون الإقرار. وقيل: لو سأله عن الزمان لجاز، لاحتمال أن يكون قد وقع في الزنا في صباه، أو قبل إسلامه. إقرار الرجل بأنه زنا بامرأة لا يعرفها ومن أقر أربع مرات في أنه زنى بامرأة لا يعرفها يقام عليه الحد بإجماع العلماء. وكذا إذا أقر أنه زنى بفلانة، وهي غائبة عن البلد الذي يقيم فيه، يجب عليه الحد لحديث العسيف، لأن النَبِي صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم أقام عليه الحد حين اعترف أمامه بالزنا ثم أرسل إلى المرأة بعد ذلك، ولأنه أقر بالزنا ولم يذكر ما يسقط كون فعله زنا، ولم توجد شبهة ترد عنه الحد، بل إن إقراره قد تضمن أنه لا ملك له في المرأة المزنى بها، لأنه لو كان له ملك فيها لعرفها، ولو كان عنده شبهة لذكرها، لأن الإنسان لا يجهل زوجته، أو أمته. الإقرار بالزنا لا يتعدى صاحبه ومن أقر أنه زنى بفلانة، وكذبته، وقالت: لا أعرفه اختلف العلماء في حكمه. الإمام أبو حنيفة - قال: لا يقام الحد على الرجل، ولا على المرأة، لوجود شبهة تدرأ الحد، وهو الإنكار، ويقام عليه حد الفرية فقط "ثمانين جلدة" وأجيب عن ذلك بأنه لا يبطل إقراره. المالكية، والشافعية، والحنابلة، والصاحبان - قالوا: يقام الحد على الرجل فقط وهو حد الزنا، ولا يؤخذ إقراره حجة على المرأة التي زنى بها، ولا يقام عليه حد القذف. فقد روى الإمام أحمد في صحيحه، وأبو داود، عن سهل بن سعد رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أن رجلاً جاء إلى النَبِي صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم فأقر بالزنا بامرأة سماها، فأرسل رَسُول اللَّه صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم في طلبها، فسألها عما قال: فأنكرت، فأقام الحد عليه، وتركها، ولم يقم عليها الحد. وروى أبو داود والنسائي عن ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما (أن رجلاً من بكر بن ليث أتى النَبِي صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم فأقر أربع مرات أنه زنى بامرأة، فجلده مائة جلدة وكان بكراً، ثم سأله البينة على المرأة فقالت: كذب يا رسول اللَّه، فجلده حد القذف ثمانين) . وهذا من يسر الدين الإسلامي، وسماحته ودقته في تحري الحقائق، ودرء الحدود. وقال بعضهم: يحد الرجل حد القذف، وحد الزنا، وفاء بحق الخالق، والمخلوق.