وقوله صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم (لو كنت راجماً بغير بينة لرجمتها) فيه دليل واضح وصريح على أنه لا يجب إقامة الحد بالتهم، لأن إقامة الحد إضرار كبير بمن لا يجوز الإضرار به، وإلحاق العار والفضيحة به وبأهله. وهذا قبيح عقلاً وشرعاً، فلا يجوز إلا ما أجازه الشارع الحكيم كالحدود والقصاص. وما أشبه ذلك بعد حصول اليقين، ورفع الشك والشبهة، من قلب الحاكم، لأن مجرد الحدس والتخمين لا ينفع في إقامة الحدود وإزهاق الأرواح، والتهمة، والشك مظنة الخطأ والغلط. وما كان كذلك فلا يستباح به إيذاء المسلم، وإلحاق الضرر به وإيلامه، وتشويه سمعته، وإهدار كرامته. عن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم: (ادرؤوا الحدود عن المسلمين، ما استطعتم، فإن كان له مخرج فخلوا سبيله، فإن الإمام أن يخطئ في العقو، خير من أن يخطئ في العقوبة) رواه الترمذي. وعن ابن مسعود رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنه قَالَ: ادرؤوا الحدود بالشبهات، وادفعوا القتل عن المسلمين ما استطعتم. وروي عن عمر بن الخطاب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنه قبل عذر رجل زنى في بلاد الشام، وادعى الجهل بتحريم الزنا، ولم يقم عليه الحد لهذه الشبهة، التي يستطيع أن يتذرع بها كل أحد. وروي أيضاً عنه وعن سيدنا عثمان بن عفان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما أنهما عذرا جارية زنت وهي أعجمية، وادعت أنها لم تكن تعلم تحريمه. وقد روي عن أنس بن مالك رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أن رَسُول اللَّه صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم، لما لاعن بين هلال بن أمية وبين زوجته حين اتهمها بشريك بن السحماء قَالَ رَسُول اللَّه صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم (اللهم بين) . قَالَ أنس: فوضعت شبيها بالذي ذكر زوجها أنه وجده عندها، ومع هذا الدليل لم يقم رَسُول اللَّه صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم الحد، لأن البينة لم تقم. ولم يحصل منها اعتراف، ومجرد ظهور الحمل عليها لا يقوم دليلاً على إقامة الحد، وقد درأ عنها وقال صَلَى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَم: (لولا الإيمان لكان لي ولها شأن) . ولم يلحق الولد بالرجل الذي اتهم بأنه كان عندها. فهذا الأمر الخطير الذي يفضي إلى هلاك النفوس لابد فيه من البينة أو الإقرار حتى يثبت على فاعله. اتفق الأئمة الأربعة: على أن الحدود تدرأ بالشبهات، ولكنهم اختلفوا في هذه الشبهات. من وجد على فراشه امرأة فوطئها الحنفية قالوا: إذا وجد الرجل على فراشه امرأة فظن أنها امرأته فوطئها ثم تبين له أنها أجنبية عنه، يحد الرجل في هذه الحال، لأنها ليست بشبهة حيث أنه يمكن معرفة زوجته بكلامها، وجسمها،